الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [ في شهادة الترجمان والقائف وما يشبههما]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الترجمان والقائف، والطبيب والمقوم للعيب يكون في العبد والأمة، والقاضي ومكشفه يسأل عن التعديل والتجريح إذا لم يأت على وجه الشهادة، هل يقبل في ذلك واحد; لأنه من باب الخبر أو اثنان.

                                                                                                                                                                                        فأما الترجمان فقال مالك -في العتبية-: إذا اختصم إلى القاضي خصمان [ ص: 5443 ] يتكلمان بغير العربية، فإنه يترجم عنهما رجل مسلم ثقة واثنان أحب إلينا، ولا نقبل ترجمة مسخوط ولا عبد ولا كافر، وتترجم امرأة إذا كانت عدلة، وألحق مما تقبل فيه شهادة النساء، وامرأتان ورجل أحب إلي; لأنه موضع شهادة، فأجراها مجرى الخبر فيجزئ فيها واحد، واستحب أن يكون اثنين. وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: لا أحفظ فيه عن متقدمي أصحابنا شيئا. وقال متأخرو شيوخنا: إن كان الإقرار يتضمن مالا، أو ما يتعلق بالمال قبل فيه رجل وامرأتان، وإن كان لا يتضمن مالا، لم يقبل فيه إلا رجلان، فأجروه مجرى الشهادة.

                                                                                                                                                                                        واختلف عن مالك في القائف، فقال يجزئ واحد عدل; لأن ذلك لم يؤخذ على وجه الشهادة، وقال أيضا: يجوز واحد إذا لم يوجد غيره، وقد أجازه عمر بن الخطاب، وروى عنه أشهب أنه قال: لا يجزئ إلا اثنان; لأن [ ص: 5444 ] الناس قد دخلوا، وهو أصوب، ولو استظهر في ذلك بالعدد حتى ينظر هل يتفق قولهم لكان أحسن، فإن لم يوجد إلا واحد أجزأ إذا كان عدلا بصيرا.

                                                                                                                                                                                        واختلف في قبول الجرح والتعديل بواحد، إذا كان ذلك سؤال من القاضي أو من مكشفه، ولم يكن أحد الخصمين هو الذي أتى به إلى القاضي أو مكشفه، ولا أرى اليوم أن يجتزئ بأقل من اثنين، وإن كان المشهود له أتى بهم إلى القاضي أو مكشفه، لم يقبل في ذلك أقل من اثنين قولا واحدا. وقال محمد: لا يرد من العيوب إلا ما اجتمع عليه عدلان من أهل المعرفة والبصر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون -في كتاب ابن حبيب-: للحاكم قبول شهادة الواحد فيما اختصم إليه من عيوب العبيد والإماء، إذا كانا قائمين، وإن كان الحاكم متولي الكشف، فيرسل العبد أو الأمة إلى من يرتضيه؛ لمعرفة ذلك ; لأن ذلك ليس بشهادة، وإنما هو علم يأخذه عمن يبصره، مرضيا كان أو مسخوطا. فإن كان العبد غائبا أو ميتا كانت الشهادة على وجهها، وعلى [ ص: 5445 ] ما جيء به في الشهادة، قال: وكذلك عيوب الإماء التي لا ينظر إليها إلا النساء، فإن كانت الأمة قائمة اكتفي فيها بقول امرأة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك -في الأمة توقف للاستبراء-: يجزئ فيها قول امرأة. فعلى قوله تجزئ الواحدة في العيوب، وعلى أحد قوليه في القائف أن لا يجزئ واحد، فلا يجزئ في العيوب إلا رجلان، وفي الإماء إلا امرأتان، وذكر شهادة السماع والاستفاضة يأتي فيما بعد إن شاء الله. [ ص: 5446 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية