الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن غصب دارا فهدمها ثم بناها بنقضها]

                                                                                                                                                                                        فإن بناها الغاصب بنقضها كان صاحبها بالخيار بين أن يضمنه قيمتها يوم الغصب أو يوم الهدم وتمضي للغاصب قائمة، وإن أحب أخذها وأغرم للغاصب قيمة ما هدم قائما يوم هدم على أن النقض يبقى للغاصب ويعطيه قيمة الهدم مهدوما ، وإن أحب أغرمه قيمة التلفيق وحده على أن النقض يبقى لربها ويكون له البناء مبنيا اليوم ولا شيء له على الغاصب؛ لأن نقضه عاد إليه ولا شيء للغاصب؛ لأن التلفيق بانفراده لا شيء له فيه.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: على الغاصب قيمة ما هدم قائما وله قيمة ما بنى مهدوما . وهذا داخل في القسم الأول، وقال محمد: يحسب على الغاصب قيمة ما بنى له منقوضا ويحسب له قيمته منقوضا أيضا . يريد: أن للغاصب قيمته منقوضا اليوم، وهذا أيضا على أصله ألا شيء له على الغاصب في الهدم إذا أخذ الأصل؛ لأنه يقول: لو وجده منقوضا ولم يبن به فأخذ الدار لم يكن له في الهدم شيء، فإذا بنى به كان له قيمته يوم بنائه . [ ص: 5821 ]

                                                                                                                                                                                        قال محمد: فإن هدمها المشتري ثم بناها بنقضها لم يكن لصاحبها أخذها إلا أن يدفع إليه القيمة ، قيمة بنائها قائما، ويكون بمنزلة من اشترى عرصة فبناها بغير نقضها، وللمستحق على المشتري قيمة نقضه الذي بنى به منقوضا يوم بنائه، وإن شاء أخذ من المشتري قيمة عرصته وقيمة نقضه فقط . قال: وقيل: فإن أبى كانا شريكين: المشتري بقيمة عمارته قائمة، والمستحق بقيمة عرصته لا بناء فيها، وقوله: على المشتري قيمته يوم بنائه فهو على القول في ولد المستحقة أن القيمة فيه يوم ولد؛ لأنه من ذلك اليوم تأتى .

                                                                                                                                                                                        وإن تعدى رجل عليها فهدمها لم تسقط القيمة عن المشتري ويكون هو الذي يتبع الذي هدمها، وأما على القول أن القيمة في الولد يوم الحكم لا يكون على المشتري من قيمة النقض شيء ويكون النقض للمستحق، وعليه للمشتري قيمة البناء وحده، وإن هدمها إنسان وغصبها لم يكن على المشتري شيء وكان المستحق هو الذي يتبع الغاصب له بعد بنائها بمنزلة ما لو غصب قبل [ ص: 5822 ] البناء وإنما للمشتري فيها بناء، فإن وجدها المستحق قائمة أخذ قيمة البناء وحده، وبه يشارك إن كانت شريكة، فإن انهدم زال الحق الذي كان فيه للمشتري، وكذلك لو اشترى خشبة فأدخلها في بنائه ثم استحقت كان عليه قيمتها يوم بنى عليها، وإن سرقت من هناك بعد ذلك لم تسقط عنه القيمة، وعلى القول الآخر عليه قيمتها يوم الحكم لصاحبها، وإن سرقت قبل ذلك لم يكن عليه شيء.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية