الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة على قاتل نفسه، وعلى من قتل في حد أو كان حكمه القتل فمات قبل القتل، أو كان حده الجلد فمات منه، وفي الصلاة على اللصوص، وولد الزنا، وعلى أهل الأهواء

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: يصلى على من قتل نفسه، وقال في امرأة خنقت نفسها: يصلى عليها.

                                                                                                                                                                                        فالصلاة جائزة على كل مسلم أتى كبيرة، قتلا كانت أو غيره; لأن ذلك لا يخرجه من الإسلام، وإنما يفترق الجواب في صلاة الإمام وأهل الفضل، فقال مالك: كل من قتله الإمام في قصاص أو في حد، وفي المرجوم لا يصلي عليه الإمام، ولا على اللصوص، وسواء كان هو القاتل لهم، أو كابروا قوما فقتلوهم.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: وأما من ضربه السلطان فمات من ذلك الضرب فإن الإمام يصلي عليه; لأن حده الجلد ولم يكن القتل.

                                                                                                                                                                                        وروى ابن وهب عن مالك في الميت يكون معروفا بالفسق والشر، قال: [ ص: 664 ]

                                                                                                                                                                                        لا تصل عليه، واتركه لغيرك. قال: وإنما يرغب في الصلاة على الرجل الصالح، والذي يذكر عنه الخير.

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يكره للإمام أن يصلي على من هذه صفته، وعلى من مات من الضرب، وغير ذلك من عقوبات الكبائر.

                                                                                                                                                                                        ولمحمد بن عبد الحكم في ذلك قول ثالث، قال: يصلي الإمام على المرجوم إن شاء، واستشهد بالحديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على ماعز والغامدية" وعلى هذا يصلي على من قتله في قود أو حرابة.

                                                                                                                                                                                        وأرى فيمن حكمه الأدب بالضرب أو القتل أو غير ذلك فمات قبل أن يؤدب بذلك، اجتناب الإمام وأهل الخير والفضل الصلاة عليه؛ ليكون ذلك ردعا لغيره من الأحياء، ولا يجتنب الصلاة على من امتثل فيه الحد والأدب بالضرب فمات منه أو القتل; لأن فيما فعل به من ذلك كفاية في الردع للأحياء، ولا يجمع على الميت مع ذلك أن لا يجتهد له في المغفرة وحط الوزر، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه "صلى على ماعز، وعلى الغامدية، بعد أن رجما في الزنى". [ ص: 665 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الصلاة على أولاد الزنا: هم في ذلك كأولاد الرشدة. أي: لا يجتنب أهل الخير الصلاة عليهم، وقد قيل: إنه خير الثلاثة; لأنه لا وزر عليه من ذلك، والوزر على أبويه.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في المدونة، في القدرية والإباضية: لا يصلى على موتاهم ولا يعاد مرضاهم.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون: أدبا لهم، فإن خيف عليهم أن يضيعوا غسلوا وصلي عليهم.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن يقول القرآن مخلوق: هو كافر فاقتلوه.

                                                                                                                                                                                        وقال في رجل خطب إليه رجل من القدرية: لا يزوجه، قال الله تعالى: ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم [البقرة: 221] ، فعلى هذا يوارى ولا يصلى عليه، وقد قال أيضا فيمن قال بخلق القرآن: يضرب ويسجن حتى يتوب. [ ص: 666 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية