الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة على الغائب والغريق، ومن أكله السبع والمصلوب، ومن دفن بغير صلاة، وهل تعاد الصلاة على من صلي عليه؟

                                                                                                                                                                                        اختلف في الصلاة على الغائب، فمنعها مالك في المدونة، وقال: لا يصلى على يد ولا على رجل ولا على رأس، ويصلى على البدن.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم: إذا بقي أكثر البدن، فإن اجتمع الرأس والرجلان بغير بدن فهو قليل. وقال أشهب في مدونته: إن وجد نصف بدنه ومعه الرأس لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه حتى يوجد أكثر بدنه، وقال مالك في العتبية: إذا وجد أكثره متقطعا يصلى عليه. وقال في الواضحة: لا يصلى عليه، والأول أحسن، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يغسل ما وجد منه، ويصلى عليه كان رأسا أو يدا أو رجلا، وينوي بالصلاة عليه الميت لا الحي. يريد: في اليد والرجل ينوي إن كان ميتا؛ لإمكان أن يكونا من حي. وقال عيسى بن دينار في شرح ابن مزين: بلغني أن أبا عبيدة بن الجراح صلى على رؤوس بالشام. [ ص: 674 ]

                                                                                                                                                                                        ويختلف على هذا في الصلاة على الغريق وغيره ممن هو غائب، فعلى قول مالك لا يصلى عليه، وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يصلى على الغريق ومن أكله السبع كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في النجاشي، وقال ابن حبيب: قال غيره: هذا من خواص النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يصل أحد على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما ووري، وقيل: يمكن أن يكون رفع النجاشي للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: القول بجواز الصلاة على الغائب أحسن؛ للحديث في النجاشي، ولو كان ممنوعا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان جائزا له خاصة لأبانه لأمته; لأنه عالم أن أمته تقتدي بأفعاله، ولم يكن ليتركهم على فعل ما لا يجوز، فتركه إياهم مع ظاهر فعله دليل على أنه أجاز فعل ذلك لهم.

                                                                                                                                                                                        ولا يعترض هذا بأنه رفع له; لأنه لم يأت بذلك حديث، وإنما قيل: يجوز ذلك، ومحمله على أنه لم يرفع حتى يعلم أنه رفع، ولو كان الجواز لأنه رفع له لأبانه.

                                                                                                                                                                                        ولا يعترض أيضا بترك الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ووري; لأن ذلك داعية إلى ما حذر منه عند موته في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". [ ص: 675 ]

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الغريق ومن أكله السبع في غير القبلة، استقبل في حين الصلاة عليه القبلة، وإن استدبروا موضع الميت، وهذا الظاهر من صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي أنه استقبل بالناس القبلة والحبش عن يمين من المدينة إذا استقبلوا القبلة، وكذلك من أكله السبع وذهب لغير القبلة، وأما المصلوب فيستقبل قبلة خشبته.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية