الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الأيام المنهي عن صيامها وما يرغب في صيامه، وهل يصام الدهر

                                                                                                                                                                                        والأيام المنهي عن صيامها ثمانية: يوم الفطر، ويوم النحر، وأيام منى، ويوم الشك، ويوم الجمعة، ويوم السبت، أن يفرد أحدهما، أو يخص بصيام، على اختلاف في بعض هذه الأيام.

                                                                                                                                                                                        فأما يوم الفطر ويوم النحر فقد ثبتت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عن صيامهما، وأجمع أهل العلم على تحريم صيامهما.

                                                                                                                                                                                        واختلف في أيام منى على ثلاثة أقوال، فقيل: لا يصام منها شيء، وقيل: لا بأس بصومها، وقيل: يصام الرابع وحده، فذكر أشهب في مدونته أن يفطر جميعها وإن نذرها، وقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم: إذا صامها المتظاهر رجوت أن تجزئه، وهو قول المخزومي في السليمانية، وفي الحاوي: إذا نذر اعتكافها أنه يوفي بنذره، فيصومها ويعتكفها.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد: روي عن مالك إذا صامها عن كفارة [ ص: 813 ] يمين أنه وقف، وقال: لا أدري، وقال في المدونة: يجزئه الرابع.

                                                                                                                                                                                        فأما المنع فللحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث كعب بن مالك، وأوس بن الحارث وهو بمنى فناديا : "... أيام منى أيام أكل وشرب" أخرجه مسلم، وفي الموطأ قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيام أيام منى".

                                                                                                                                                                                        وأما جواز صومها فلتظاهر الأخبار عن صيام يومين، فقال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وعائشة -رضي الله عنها- : "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيام يومين: الفطر والأضحى"، وقال عمر -رضي الله عنه-: "إن هذين يومان نهى [ ص: 814 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم"، وهذه أحاديث صحاح أخرجها البخاري ومسلم، فاجتمعت هذه الأحاديث على اختصاص النهي عن هذين اليومين، فلو كان جميع تلك الأيام محرما لم يكن لاختصاص اليومين وجه، ولإجماع المذهب على جواز صومها للمتمتع، ولو كانت محرمة العين لم يجز صومها للمتمتع كما لم يجز له أن يصوم يوم النحر.

                                                                                                                                                                                        ويحتمل أن يكون ذلك على وجه الندب لمن كان بمنى خاصة لما كانوا عليه من المنع من النساء، وقد تقدم الحديث أن النداء بالنهي كان للناس بمنى، ولأن من صام امتنع من النساء، فندبهم أن لا يتكلفوا من ذلك فوق ما تقدم حتى تنقضي أيام الحج. وأما التفرقة بين الرابع وغيره فلأنه أضعف رتبة; لأن المتعجل يسقطه، وقد تقدم ذكر يوم الشك.

                                                                                                                                                                                        وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله أو بعده"، وقال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام"، ودخل على جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- يوم جمعة وهي صائمة فقال: "أصمت أمس؟ فقالت: لا. قال: أتريدين أن تصومي غدا. قالت: لا. قال: فأفطري" انفرد به البخاري، وانفرد مسلم بقوله: "لا [ ص: 815 ] تختصوا ليلة الجمعة..." واجتمعا على ما سوى ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال الداودي، في قول مالك في الموطأ: لم يبلغ مالكا الحديث، ولو بلغه لم يحالفه، يريد. لم يبلغه الحديث بالمنع.

                                                                                                                                                                                        قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم..." ذكره الترمذي، وهو حديث حسن السند، وقد ذكرت هذه الأحاديث في هذه الأيام وفيما بعدها; لأن المنع والترغيب وتعلق الفضل ببعضها دون بعض موضع توقيف، ليس يؤخذ بقياس.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية