الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في الخلاف في صيام الدهر

                                                                                                                                                                                        اختلف الناس في صيام الدهر، فقال مالك وابن القاسم في المجموعة: لا بأس به. وقال ابن حبيب: إنما النهي إذا صام فيه ما نهي عنه، وذهب غير واحد إلى المنع; لحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: "بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسمك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزوارك عليك حقا. قلت: إني لأقوى على ذلك، قال: فصم صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهو أفضل الصيام، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أفضل من ذلك، لا صام من صام الأبد، [لا صام من صام الأبد".

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا فيمن صام الأبد]: "... ما صام ولا أفطر..." أخرجه البخاري ومسلم. [ ص: 819 ]

                                                                                                                                                                                        فكان في هذا أربعة أدلة:

                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالفطر، ولم يكن يأمر بالأدنى عن الأفضل.

                                                                                                                                                                                        والثاني: قوله: "... لا أفضل من ذلك" فأخبر أن الفطر في ذلك أفضل من الصوم.

                                                                                                                                                                                        والثالث: دعاؤه على من صام الأبد، بقوله: "لا صام من صام الأبد...".

                                                                                                                                                                                        والرابع: أنه إذا صام في معنى من لم يكتب له أجر; لقوله: "ما صام ولا أفطر"، يريد: أنه ما أفطر; لأنه كان ممسكا، ولا صام; لأنه لا يكتب له فيه أجر الصائم. [ ص: 820 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية