الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في تحريم الصدقة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم -]

                                                                                                                                                                                        لا تحل الصدقة لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله : "لا تحل الصدقة لآل محمد" . أخرجه البخاري ، ومسلم .

                                                                                                                                                                                        واختلف في ثلاثة مواضع من معنى الحديث :

                                                                                                                                                                                        أحدها : من آله بنو هاشم ، أو قريش ؟ ، والثاني : دخول مواليهم في التحريم ، والثالث : هل تدخل صدقة التطوع في التحريم ؟

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم في كتاب محمد : آله بنو هاشم . وقال أصبغ : هم عشيرته الأقربون آل غالب ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين [الشعراء : 214] . نادى : "يا آل قصي ، يا آل عبد مناف " . [ ص: 991 ]

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أحسن ؛ لأن العشيرة غير الأقارب ، والعشيرة تتسع ، وإنما نزل القرآن في الأقرب من العشيرة ، ليس الأقربين مطلقا ، وليس الأقربون كالأقرب من العشيرة .

                                                                                                                                                                                        وأجازها ابن القاسم لموالي آل محمد . ومنع ذلك مطرف ، وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب . وقال مالك في كتاب ابن حبيب أيضا : لا يعطى لآل محمد من التطوع . وأجازه ابن القاسم في كتاب محمد .

                                                                                                                                                                                        والذي آخذ به ، أنها تحرم على بني هاشم دون من بعدهم ، وأن مواليهم بمنزلتهم ، وأن الزكاة ، والكفارات ، والتطوع في ذلك سواء لحديث أبي رافع قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اصحبني كيما تصيب منها . فقال : لا ، حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله ، فأتاه فسأله ، فقال : "إن الصدقة لا تحل لنا ، ولا لموالينا" . وهذا حديث صحيح ذكره الترمذي في مسنده فيه فائدتان :

                                                                                                                                                                                        إحداهما : أن الصدقة حلال لبني مرة بن كعب ، فمن بعدهم إلى غالب ، [ ص: 992 ] خلاف ما ذهب إليه أصبغ ؛ لأن مخزوم تجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مرة .

                                                                                                                                                                                        والثانية : أن مواليهم بمنزلتهم في تحريم الصدقة ، وأعطيت بريرة شاة من صدقة ، فأهدت منها للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقيل له : إنها صدقة ، وأنت لا تأكل الصدقة . فقال : "هي عليها صدقة ، ولنا هدية" . فتضمن هذا الحديث أيضا إباحتها لبني مرة ؛ لأن عائشة تجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرة ، وأن أزواجه غير داخلات في التحريم ، فإباحته إياها لبريرة ، ومولاتها في التحريم بمنزلتها ، ولو كان أزواجه بمنزلته ؛ لحرمت على بريرة كما حرمت على أبي رافع .

                                                                                                                                                                                        وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "أوصيكم بأهل بيتي ، أوصيكم بأهل بيتي ، أوصيكم بأهل بيتي قيل لزيد : من أهل بيته ، نساؤه ؟ قال : لا ، إن المرأة تقيم مع الرجل الزمان ثم يفارقها فترجع إلى بيت أهلها . وأهل بيته : أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده . وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . كل هؤلاء يحرمون الصدقة" . [ ص: 993 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية