الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيما يفعله الحاج يوم النحر من رمي ونحر وحلاق ولباس وطوف ، وهل يحل له النساء والصيد ؟

                                                                                                                                                                                        ومن دفع من المشعر الحرام ثم أتى منى رمى جمرة العقبة ، ثم ينحر أو يذبح إن كان معه هدي ، ثم يحلق ، ثم يلبس المخيط ، ثم يطوف طواف الإفاضة ، فيحل له إذا طاف : النساء والطيب والصيد ، ثم يعود إلى منى فيصلي بها الظهر . فإذا أخطأ فقدم النحر على الرمي رمى ولا شيء عليه ، وإن قدم الحلاق على الرمي رمى وعليه الفدية .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قدم الإفاضة على الرمي ، فقال مالك وابن القاسم : تجزئه الإفاضة ، وعليه الهدي . وقال أيضا : لا تجزئه ، وهو كمن لم يفض . وقال أصبغ : أحب إلي أن يعيد الإفاضة ، وهو في يوم النحر آكد .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قدم الحلاق على الذبح ، فقال مالك : يذبح ، ولا شيء عليه . وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : عليه الفدية : لقول الله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [البقرة : 196] . يريد : فينحر . وحمل مالك الآية على بلوغه المحل وإن لم ينحر ، وإن قدم الإفاضة على الذبح [ ص: 1220 ] أجزأته الإفاضة ويذبح ، ويجري فيها قول آخر : أنه يعيد .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قدم الإفاضة على الحلاق ، فقال مالك : يجزئه . وقال في كتاب محمد : قول ابن عمر أحب إلي ، فيحلق بمنى ، ثم يعيد الإفاضة . فإن لم يعد أجزأه ، وعلى قوله هذا يعيد من قدم الإفاضة على الذبح ، وقد جاءت السنة في هذه الأربعة أن الترتيب فيها حسبما تقدم في أول الباب : الرمي ، ثم الذبح ، ثم الحلاق ، ثم الإفاضة ، وجاء القرآن بتقديم الذبح على الحلاق والإفاضة في قوله تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [البقرة : 196] . وكذلك قوله : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق . فيه : تقديم الذبح ، ثم الحلاق والإفاضة . وجاءت السنة في التوسعة فيمن خالف ذلك وهو غير عالم ، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه كان في حجة الوداع يوم النحر بمنى ، فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ؟ فقال : "ارم ولا حرج" . وقال آخر : لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال : "اذبح ولا حرج" . وقال آخر : أفضت إلى البيت قبل أن أرمي ؟ قال : "ارم ولا حرج" . قال : فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال : "افعل ولا حرج" اجتمع عليه البخاري ومسلم والموطأ ، وبعضهم يزيد على بعض . [ ص: 1221 ]

                                                                                                                                                                                        والرمي والنحر يبيحان الحلاق دون إصابة النساء والصيد والطيب . واختلف في اللباس والاغتسال وإماطة الأذى من قص الأظفار وغير ذلك ، فقال مالك : جائز .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية