الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن وطئ أهله في الحج]

                                                                                                                                                                                        الوطء في الحج محرم ، لقول الله تعالى : فلا رفث . . . الآية [البقرة : 197] . ولا يحل لمن أحرم بالحج أهله حتى يقف بعرفة ، ويرمي جمرة العقبة ، ويطوف ويسعى . فإن وطئ قبل عرفة فسد حجه وأبدله . واختلف إذا وطئ بعد الوقوف على أربعة أقوال : فقال مالك في المدونة : إن وطئ بعد الوقوف يوم النحر قبل الرمي والطواف فسد حجه وأبدله .

                                                                                                                                                                                        فإن وطئ يوم النحر بعد أن رمى ، أو طاف للإفاضة ولم يرم ، أو وطئ في اليوم الثاني ولم يرم ولم يطف ، فسد حجه . قال أبو محمد عبد الوهاب عنه : أنه قال : إن وطئ بعد الوقوف وقبل أن يفعل شيئا لم يفسد .

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن الجهم عن أبي مصعب عن مالك : أن حجه يفسد إذا وطئ قبل طواف الإفاضة ، وإن كان قد رمى . قال : وهذا أقيس ؛ لقول الله تعالى :

                                                                                                                                                                                        [ ص: 1222 ] فلا رفث ولا فسوق . . . الآية [البقرة : 197] ، وما لم يحصل كمال تحلله فقد أرفث في الحج فيجب فساده ، ولأنها حال ممنوع فيها الوطء لبقاء الإحرام ، فوجب أن يفسد اعتبارا لوقوعه قبل الرمي ، ولأنها حال لو قتل فيها الصيد لوجب فيه الجزاء ، ولأنها عبادة من شرطها الطواف أصلها العمرة ، ولأن الوطء مع بقاء نسك من مناسك الحج يفسد أصله إذا وطئ قبل الوقوف ، ولأن أول الإحرام مرتبط بآخره ، فلما كان الوطء محرما في آخره كما هو محرم في أوله فسد حجه ، فسد أوله بآخره كالصلاة ، والصوم . انتهى قوله .

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك بن الماجشون : من وطئ قبل جمرة العقبة فسد حجه ، وإن كان وطؤه بعد الطواف وبعد أن خرجت أيام منى . واحتج من قال : ألا يفسد إذا وطئ بعد الرمي وقبل الطواف ، قال : لأنه إنما أفسد طوافا في إحرام ، فإذا أحرم بعمرة كان قد وفى به ، وهذا فاسد ؛ لأن العمرة لا تنوب عن الحج ، ولا يستطيع أن يأتي بطواف حج إلا أن يحرم بحج . كما لا يجبر من أكل من جزاء الصيد إلا أن يأتي بجزاء صيد ، ولو ذبح نسكا لا يريد به جزاء صيد فأخرج قدر ذلك من لحمه لم يجزئه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب وأشهب في كتاب محمد : وإن وطئ يوم النحر بعد الإفاضة قبل الرمي أفسد ؛ لأن الإفاضة قبل الرمي لا تجزئ عنه ، فصار بمنزلة من وطئ قبل الرمي والإفاضة . وإن وطئ في العمرة قبل الطواف ، أو قبل أن يركع ، أو قبل السعي أفسد .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وطئ ولم يبق إلا الحلاق ، فقال مالك : يهدي ويجزئه . وقال في كتاب محمد : أفسد العمرة . والأول أبين ؛ لأنه لم يبق عليه عمل للعمرة . [ ص: 1223 ]

                                                                                                                                                                                        وقد قال : ينحر المعتمر هديه قبل الحلاق ؛ لأنه قد حل .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية