الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب الأصل في حديث ابن عباس

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : "جاءت امرأة من خثعم ، فقالت : يا رسول الله ، إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم . وذلك في حجة الوداع" . اجتمع عليه الموطأ والبخاري ومسلم .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : "أتى رجل إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، إن أختي نذرت أن تحج ، وإنها ماتت قبل أن تحج ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو كان عليها دين أكنت قاضيه ؟ . قال : نعم . قال : فاقض دين الله ، فهو أحق بالقضاء" . وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من مات وعليه صوم صام عنه وليه" . يريد : إن شاء ، ليس أن يجبر .

                                                                                                                                                                                        وفي مسلم : "قالت امرأة : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر [ ص: 1262 ] رمضان ، أفأصوم عنها ؟ قال : صومي . قالت : إنها لم تحج ؟ قال : حجي عنها" . وقد تضمنت هذه الأحاديث النيابة في الحج والصلاة -وهي ركعتا الطواف- والصوم . وفي البخاري : "أمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء ، فقال : صلي عنها" .

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف قول مالك في العتق والصدقة عن غيره ، وهو يسقط الاعتراض ، لقول الله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [النجم : 39] لأنهما ليسا من سعي المعتق عنه ولا المتصدق عليه .

                                                                                                                                                                                        واختلف المذهب في حج الإنسان عن غيره وهو حي أو ميت بأمره أو بغير أمره ، فأجاز مالك ذلك مرة اتباعا للحديث ، ومنع مرة لما كانت أعمال أبدان ، ولم ير النيابة فيها ، وقال : لا يحج أحد عن أحد .

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد في امرأة أوصت أن يحج عنها : إن حمل ذلك ثلثها ، فإن لم يكن يحمل جعل في رقبة ، فحمل ذلك ثلثها قال : يعتق عنها ولا يحج . فلم يجز ذلك وإن كان بوصية من الميت ، وقال ابن وهب وأبو مصعب : لا يحج أحد عن أحد إلا الابن عن أبيه . فخص الولد كان بوصية ذلك أم لا ، كان الأب شيخا كبيرا أو غير ذلك . وقال ابن حبيب : جاءت الرخصة في الحج عن الكبير الذي لا منهض له ولم يحج ، وعمن مات ولم يحج أن يحج عنه ولده وإن [ ص: 1263 ] لم يوص به ، ويجزئه إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في كتاب محمد : إن حج عن الشيخ الكبير أجزأه ، وقيل لمالك : إن رجلا أمرني وهو حي أن أحج عنه ، فقال : افعل ما أمرك ، وأرى ذلك سواء الموت والحياة ، والابن والأجنبي ، والشيخ والشاب ، سواء كل ذلك جائز ، وكلها أعمال أبدان ، إلا أن يكون حيا قادرا على الحج فلا يصح أن يحج عنه ، كما لا يجوز ذلك في الصلاة والصوم إذا كان قادرا على الأداء .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية