الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الدعوة قبل القتال

                                                                                                                                                                                        الأصل في ذلك قول الله -عز وجل- : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله [الأحزاب : 46 ، 47] ، وقوله : بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة : 67] .

                                                                                                                                                                                        فتضمنت هذه الآية وما شابهها الدعوة إلى الله ، ويبشر من أطاع بالجنة ، ويحذر من عصى من النار ، وإذا كان ذلك ؛ لم يجز القتال قبل البلاغ وقبل إعلامهم بما يراد منهم من ذلك .

                                                                                                                                                                                        ولا خلاف في وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم يبلغه أمر الإسلام .

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك فيمن بلغته الدعوة قبل القتال : هل يدعى أم لا ؟

                                                                                                                                                                                        والدعوة فيمن بلغته على أربعة أوجه : واجبة ، ومستحبة ، ومباحة ، وممنوعة .

                                                                                                                                                                                        فأما الجيوش العظام تنزل بمن يرى أنهم لا طاقة لهم بقتالهم ، ويغلب على الظن أنهم متى دعوا إلى الإسلام أو إلى الجزية أجابوا ، وقد يجهلون ويظنون أنه لا يقبل ذلك منهم الآن لما تقدم من تأخرهم عن دخولهم في الإسلام ، فالدعوة لهؤلاء واجبة .

                                                                                                                                                                                        وإن كانوا عالمين بقبول ذلك منهم ، ولا يغلب على الظن قبولهم ؛ كانت مستحبة ، وإن لم يرج قبولهم ؛ كانت مباحة . [ ص: 1344 ]

                                                                                                                                                                                        وإن كان المسلمون قلة ، ويخشون أن يكون في ذلك إنذار بالمسلمين ، وأخذهم لحذرهم ؛ كانت ممنوعة .

                                                                                                                                                                                        واختلف في تبييتهم ، فقال مالك في مختصر ابن عبد الحكم : أكره التبييت .

                                                                                                                                                                                        وأجازه محمد بن المواز ، واستشهد بقصة كعب بن الأشرف لعنه الله .

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : ذلك على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فمن كان تجب دعوته لا يجوز تبييته .

                                                                                                                                                                                        ومن لا تجب وتستحب الدعوة ؛ يكره التبييت .

                                                                                                                                                                                        ومن كانت الدعوة مباحة فيهم ؛ كان التبييت جائزا ، إلا أن يخشى على المسلمين متى دخل عليهم ليلا لجهل الناس بالبلد وبالمواضع التي يخاف أن يؤتى عليهم منها .

                                                                                                                                                                                        فإذا توجه القتال لم يؤذنوا بحرب ، واستعمل معهم المكر والخديعة ، ولا يعلم بحين الهجوم عليهم بالحرب ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أغار على بني المصطلق ، ففيه وجهان : سقوط الدعوة ، وألا يؤذنوا بحرب .

                                                                                                                                                                                        ودعا أهل خيبر ، وقال لعلي - رضي الله عنه - : "ادعهم للإسلام ، وأخبرهم بما يجب لله عليهم ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" . [ ص: 1345 ]

                                                                                                                                                                                        وقال لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن : "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله . . ." الحديث .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية