ثم إن الزهاد منهم يذمون المحبوبات والملذوذات المنصرفة وإن لم تكن نهاية المقصود، لما فيها من شغل النفوس بها عما تحتاج إليه، ومن ألم الترك وغير ذلك، لكن الحال حال الكافرين بالمعاد، فإنه إذا لم يكن الموت ما يقصدونه ويرجونه كحال الذين لا يرجون لقاء الله، ويظن أحدهم أن لن يحور، فهم يجعلون المنصرفات نهاية مقصودهم،
[ ص: 164 ] وهؤلاء الذين قال الله فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ، فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=30515_29494حال من لم يحقق الإيمان بالله واليوم الآخر، فأعرض عن ذكر ربه والعمل لمعاده، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ، فاتباع هواه هو اتباع متاع الحياة الدنيا.
وقد يقال هذا معنى الأول والآخر،
nindex.php?page=treesubj&link=29625_29682فالأول ليس قبله شيء، إذ هو خالق كل شيء، والآخر ليس بعده شيء، أي إليه يصير العباد وتنتهي الحركات، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=42وأن إلى ربك المنتهى ، أي الغاية، لا يراد بذلك أن الأشياء تعدم، ويكون هو بعد وجودها، وإنما هو آخرها كما كان أولها، فمنه ابتدأت وإليه تعود، كما يقال: ما بعد هذا غاية.
فالآخر قد يعنى به في الوجود، وقد يعنى به في الغايات المقصودة، فإذا عني به أنت الآخر بعد كل موجود، لم يدل على الغاية، وإذا قيل: أنت الآخر أي الغاية والمنتهى لكل موجود، فليس بعدك ما يوجد ويطلب، كان هذا المعنى أبلغ، مع أن قوله "الآخر" يعم
[ ص: 165 ] القسمين، كما أن قوله "الأول " ظاهر في كونه موجودا أولا، وقد تضمن أنت الأول في المقصود، كما قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وغيرك إنما يقصد بالقصد الثاني لا بالقصد الأول، لكن هذا المعنى ليس وحده ظاهر الحديث ، لكن يقال: الحديث أشار إليه مع المعنى الظاهر.
ثُمَّ إِنَّ الزُّهَّادَ مِنْهُمْ يَذُمُّونَ الْمَحْبُوبَاتِ وَالْمَلْذُوذَاتِ الْمُنْصَرِفَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِهَايَةَ الْمَقْصُودِ، لِمَا فِيهَا مِنْ شَغْلِ النُّفُوسِ بِهَا عَمَّا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَمِنْ أَلَمِ التُّرْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْحَالَ حَالُ الْكَافِرِينَ بِالْمَعَادِ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَوْتُ مَا يَقْصِدُونَهُ وَيَرْجُونَهُ كَحَالِ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَيَظُنُّ أَحَدُهُمْ أَنْ لَنْ يَحُورَ، فَهُمْ يَجْعَلُونَ الْمُنْصَرِفَاتِ نِهَايَةَ مَقْصُودِهِمْ،
[ ص: 164 ] وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى ، فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30515_29494حَالُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقِ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ وَالْعَمَلِ لِمَعَادِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، فَاتِّبَاعُ هَوَاهُ هُوَ اتِّبَاعُ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَقَدْ يُقَالُ هَذَا مَعْنَى الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ،
nindex.php?page=treesubj&link=29625_29682فَالْأَوَّلُ لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، إِذْ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْآخِرُ لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، أَيْ إِلَيْهِ يَصِيرُ الْعِبَادُ وَتَنْتَهِي الْحَرَكَاتُ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=42وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ، أَيِ الْغَايَةُ، لَا يُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ تُعْدَمُ، وَيَكُونُ هُوَ بَعْدَ وُجُودِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ آخِرُهَا كَمَا كَانَ أَوَّلُهَا، فَمِنْهُ ابْتَدَأَتْ وَإِلَيْهِ تَعُودُ، كَمَا يُقَالُ: مَا بَعْدَ هَذَا غَايَةٌ.
فَالْآخِرُ قَدْ يُعْنَى بِهِ فِي الْوُجُودِ، وَقَدْ يُعْنَى بِهِ فِي الْغَايَاتِ الْمَقْصُودَةِ، فَإِذَا عُنِيَ بِهِ أَنْتَ الْآخَرُ بَعْدَ كُلِّ مَوْجُودٍ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْغَايَةِ، وَإِذَا قِيلَ: أَنْتَ الْآخِرُ أَيِ الْغَايَةُ وَالْمُنْتَهَى لِكُلِّ مَوْجُودٍ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ مَا يُوجَدُ وَيُطْلَبُ، كَانَ هَذَا الْمَعْنَى أَبْلَغَ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ "الْآخِرَ" يَعُمُّ
[ ص: 165 ] الْقِسْمَيْنِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ "الْأَوَّلُ " ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ مَوْجُودًا أَوَّلًا، وَقَدْ تَضْمَنُ أَنْتَ الْأَوَّلُ فِي الْمَقْصُودِ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَغَيْرُكَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِالْقَصْدِ الثَّانِي لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ وَحْدَهُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ ، لَكِنْ يُقَالُ: الْحَدِيثُ أَشَارَ إِلَيْهِ مَعَ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ.