الباب الثاني 
اختلاف الناس في عدد المغازي التي غزا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة ، وفي كم قاتل فيها  
روى ابن سعد ،  عن  ابن إسحاق  وابن عقبة  وأبي معشر ،  وعن شيخه محمد بن عمر الأسلمي ،  عن جماعة سماهم قالوا : كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا فيها بنفسه سبعا وعشرين ، وقيل : تسع وعشرون ، وقيل : ست وعشرون ، ومن قال بذلك جعل غزوة خيبر  ووادي القرى  غزوة واحدة . وقيل : خمس وعشرون ، وزعم الحافظ عبد الغني المقدسي  أنه المشهور ، وعزاه لابن إسحاق  وابن عقبة  وأبي معشر ،  والذي رواه عنهم ابن سعد  ما سبق ، وهو الصواب الذي جزم به أبو الفرج  في «التلقيح»  والدمياطي  والعراقي  وغيرهم . قال في المورد : وهذا الذي نقله المؤلف -أي الحافظ عبد الغني-  عن هؤلاء الأئمة الثلاثة لم يقع لي من نقله عنهم غير المؤلف ، سرد أسماء الغزوات ، وهي غزوة الأبواء ،  ويقال لها : ودان ، ثم غزوة بواط ،  ثم غزوة سفوان ،  وهي بدر  الأولى لطلب كرز بن جابر ،  ثم غزوة العشيرة ، ثم غزوة بدر  الكبرى ، ثم غزوة بني سليم  بالكدر ،  ويقال لها : قرقرة الكدر ،  ثم غزوة السويق ،  ثم غزوة غطفان ،  وهي غزوة ذي أمر  ثم غزوة الفرع ،  من بحران  بالحجاز ،  ثم غزوة بني قينقاع ،  ثم غزوة أحد ،  ثم غزوة حمراء الأسد ،  ثم غزوة بني النضير ،  ثم غزوة بدر  الأخيرة ، وهي غزوة بدر  الموعد ، ثم غزوة دومة الجندل ،  ثم غزوة بني المصطلق  وهي المريسيع ،  ثم غزوة الخندق ،  ثم غزوة بني قريظة ،  ثم غزوة بني لحيان ،  ثم غزوة الحديبية ،  ثم غزوة ذي قرد ،  ثم غزوة خيبر ،  ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب  وبني ثعلبة ،  ثم غزوة عمرة القضاء ، ثم غزوة فتح مكة ،  ثم غزوة حنين ،  ثم غزوة الطائف ،  ثم غزوة تبوك ،  وفي بعض ذلك تقديم وتأخير عند بعض المحدثين ، وسيأتي بيان ذلك مفصلا مع ضبطه . 
قال  ابن إسحاق ،  وابن سعد ،   وابن حزم ،  وابن الأثير  رحمهم الله : قاتل النبي صلى الله عليه وسلم في تسع غزوات : بدر ،  وأحد ،  والخندق ،  وقريظة ،  والمصطلق  وهي المريسيع  وخيبر  والفتح وحنين  والطائف ،  ويقال : إنه صلى الله عليه وسلم قاتل أيضا في بني النضير  ووادي القرى ،  والغابة .  وقال ابن عقبة :  
قاتل في ثماني مواطن ، وأهمل عد قريظة؛  لأنه ضمها إلى الخندق  لكونها كانت في إثرها ، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب ، وكذا وقع لغيره عد الطائف  وحنينا  واحدة؛ لكونها كانت في إثرها .  [ ص: 9 ] 
وروى  مسلم  عن  بريدة بن الحصيب   -رضي الله تعالى عنه- قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان غزوات ، قال النووي :  لعل بريدة  أسقط غزوة الفتح ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا -كما قال  الشافعي  وموافقوه- قلت : والتوجيه السابق أقعد . قال الحافظ أبو العباس الحراني  رحمه الله في الرد على ابن المطهر الرافض :  لا يفهم من قولهم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في كذا وكذا أنه قاتل بنفسه كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعلم أنه قاتل بنفسه في غزوة إلا في أحد  فقط . قال : ولا يعلم أنه ضرب أحدا بيده إلا أبي بن خلف ،  ضربه بحربة في يده . انتهى . 
قلت : وعلى ما ذكره يكون المراد بقولهم : قاتل في كذا وكذا أنه صلى الله عليه وسلم وقع بينه وبين عدوه في هذه الغزوات قتال قاتلت فيها جيوشه بحضرته صلى الله عليه وسلم ، بخلاف بقية الغزوات ، فإنه لم يقع فيها قتال أصلا ، لكن نقل الحافظ  في الفتح عن ابن عقبة  أنه قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان غزوات ، وراجعت نسخة صحيحة في مغازي ابن عقبة ،  ونصه : ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها ، قاتل في بدر  إلى آخر ما ذكره ، ثم قال : وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة لم يكن فيها قتال . انتهى . 
ولم يذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه ، فكأنها في بعض النسخ . وسيأتي في غزوة أحد  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بقوسه حتى صارت شظايا ، وأنه أعطى ابنته فاطمة  رضي الله عنها يوم أحد  سيفه فقال : اغسلي دمه عنه ، وفي حديث . . . . «كنا إذا التقينا كتيبة أو جيشا ، أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه . . . . 
والغزوات الكبار الأمهات سبع : بدر ،  وأحد ،  والخندق ،  وخيبر ،  والفتح ، وحنين ،  وتبوك .  
وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن ، ففي بدر  كثير من سورة الأنفال ، وفي أحد  آخر آل عمران من قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال   [آل عمران : 121] إلى قبيل آخرها بيسير . وفي قصة الخندق  وقريظة  صدر سورة الأحزاب ، وفي بني النضير  سورة الحشر . وفي قصة الحديبية  وخيبر  سورة الفتح ، وأشير فيها إلى الفتح ، وذكر الفتح في سورة النصر ، وتبوك  في سورة "براءة" وجرح منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد  فقط ، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر  وحنين  وأحد  على خلاف في الثالثة يأتي تحقيقه في غزوتها . ونزلت الملائكة يوم الخندق  فزلزلوا المشركين وهزموهم . ورمى بالحصباء في وجوه المشركين  [ ص: 10 ] فهربوا ، فكان الفتح في غزوتين : بدر  وحنين .  وقاتل بالمنجنيق في غزوة واحدة وهي الطائف .  
وتحصن بالخندق  في واحدة وهي الأحزاب ، أشار به عليه  سلمان الفارسي  رضي الله عنه . 
				
						
						
