الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر وصول أبي سفيان إلى قرب المدينة وحذره من رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق وغيره : وأقبل أبو سفيان بالعير وقد خاف خوفا شديدا ، حتى دنوا من المدينة ، واستبطأ ضمضم بن عمرو النفير ، حتى ورد بدرا وهو خائف ، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر ، وكانوا باتوا من وراء بدر ، آخر ليلتهم ، وهم على أن يصبحوا بدرا إن لم يعترض لهم ، فما انقادت العير لهم حتى ضربوها بالعقل وهي ترجع الحنين ، فتواردا إلى ماء بدر وما بها إلى الماء من حاجة ، لقد شربت بالأمس ، وجعل أهل العير يقولون : هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا ، وغشيتهم ظلمة تلك الليلة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا . وتقدم أبو سفيان أمام العير حذرا حتى ورد الماء فرأى مجدي -بفتح الميم وإسكان الجيم فدال مهملة فياء ممدودة كياء النسب- ابن عمرو الجهني فقال له : هل أحسست أحدا ؟ قال : ما رأيت أحدا أنكره غير أني قد رأيت راكبين -يعني بسبسا وعديا- قد أناخا إلى هذا التل ، ثم استقيا في شن لهما ، ثم انطلقا ، فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ، ففتته فإذا فيه النوى ، فقال : هذه والله علائف يثرب . فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق ، فساحل بها ، وترك بدرا بيسار ، وانطلق حتى أسرع فسار ليلا ونهارا فرقا من الطلب .

                                                                                                                                                                                                                              ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش قيس بن امرئ القيس : إنكم إنما [ ص: 29 ] خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله ، فارجعوا ، فأتاهم الخبر وهم بالجحفة ، فقال أبو جهل بن هشام : والله لا نرجع حتى نرد بدرا -وكان بدر موسما من مواسم العرب ، يجتمع لهم به سوق كل عام- فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها .

                                                                                                                                                                                                                              وكره أهل الرأي المسير ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وكان ممن أبطأ بهم عن ذلك الحارث بن عامر ، وأمية بن خلف ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وحكيم بن حزام ، وأبو البختري ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه ، حتى بكتهم أبو جهل بالجبن ، وأعانه عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث بن كلدة . وأجمعوا المسير .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأخنس بن شريق -وكان حليف بني زهرة- : يا بني زهرة قد نجى الله أموالكم ، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل ، وإنما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوا بي جبنها وارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ضيعة ، لا ما يقول هؤلاء ، فرجعوا ، وكانوا نحو المائة ، ويقال : ثلاثمائة ، فما شهدها زهري إلا رجلين هما عما مسلم بن شهاب الزهري ، وقتلا كافرين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : ولحق قيس بن امرئ القيس أبا سفيان فأخبره مجيء قريش ، فقال : واقوماه! هذا عمل عمرو بن هشام ، يعني أبا جهل ، واغتبطت بنو زهرة بعد برأي الأخنس ، فلم يزل فيهم مطاعا معظما ، وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل وقال : لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سعد : وكانت بنو عدي بن كعب مع النفير ، فلما بلغوا ثنية لفت عدلوا في السحر إلى الساحل منصرفين إلى مكة ، فصادفهم أبو سفيان بن حرب فقال : يا بني عدي ، كيف رجعتم ، لا في العير ولا في النفير ؟ قالوا : أنت أرسلت إلى قريش أن ترجع ، ويقال : بل لقيهم بمر الظهران ، ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رحلة ، وغلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء ، فظمئ المسلمون ، وأصابهم ضيق شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ ، فوسوس إليهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسول الله وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مخبتين ، فأنزل الله تعالى تلك الليلة مطرا كثيرا ، فكان على المشركين وابلا شديدا منعهم من التقدم ، وكان على المسلمين طلا طهرهم الله به ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ، ووطأ به الأرض ، وصلب الرمل ، وثبت الأقدام ، ومهد به المنزل ، [ ص: 30 ] وربط به على قلوبهم ، ولم يمنعهم من السير ، وسال الوادي فشرب المؤمنون ، وملأوا الأسقية ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا من الجنابة ، كما قال تعالى : وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام [الأنفال : 11] .

                                                                                                                                                                                                                              وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا ، حتى إن أحدهم ذقنه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال : ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد بن حميد ، عن قتادة قال : كان النعاس أمنة من الله ، وكان النعاس نعاسين : نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد ، وكانت ليلة الجمعة ، وبين الفريقين قوز من الرمل . وبعث صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ، فأطافا بالقوم ، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون ، وأن السماء تسح عليهم ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء ، يبادرهم الماء فسبقهم إليه ، ومنعهم من السبق إليه المطر ، أرسله الله تعالى عليهم حتى جاء أدنى ماء من بدر ، فنزل ، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل [أمنزلا] أنزلكه الله ، ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، قال : يا رسول الله ، ليس هذا المنزل فانهض بالناس ، حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء [ثم نقاتل القوم] فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد أشرت بالرأي» . وذكر ابن سعد أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرأي ما أشار به الحباب ، فنهض صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس ، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل ، ثم أمر بالقلب فغورت ، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملأه ماء ، ثم قذفوا فيه الآنية . فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله ، ألا نبني لك عريشا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا ، فلقد تخلف عنك أقوام ، يا نبي الله ، ما نحن بأشد حبا لك منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك ويجاهدون معك .

                                                                                                                                                                                                                              فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، ودعا له بخير ، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش على تل مشرف على المعركة ، فكان فيه هو وأبو بكر وليس معهما غيرهما ، وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه على بابه متوشحا بالسيف ، ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة ، وجعل [ ص: 31 ] يشير بيده : «هذا مصرع فلان ، وهذا مصرع فلان ، إن شاء الله ، فما تعدى منهم أحد موضع إشارته» رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما .

                                                                                                                                                                                                                              وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر ، وارتحلت قريش حين أصبحت ، فأقبلت بحدها وحديدها تحاد الله عز وجل ، وتحاد رسوله ، وجاءوا على حرد قادرين ، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها ، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي وأصحابه والعير التي كانت معه ، فجمعهم الله تعالى على غير ميعاد ، كما قال تعالى : ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا [الأنفال : 42] فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل- وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي- فكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه ، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا ، فقال صلى الله عليه وسلم : «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة» .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صلى الله عليه وسلم لما رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر : «إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر ، إن يطيعوه يرشدوا ، يا علي ناد حمزة -وكان أقربهم من المشركين- : من صاحب الجمل الأحمر ؟ »

                                                                                                                                                                                                                              فقال : هو عتبة وهو ينهى عن القتال ، ويأمر بالرجوع ، ويقول : يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا : جبن عتبة ، وأبو جهل يأبى .


                                                                                                                                                                                                                              وبعث خفاف -بضم الخاء المعجمة وفاءين- ابن إيماء -بهمزة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة وميم ممدودة- ابن رحضة -بفتح الراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة- أو أبوه [إيماء بن رحضة الغفاري] -وأسلم الثلاثة بعد ذلك- إلى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال : إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا ، فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم ، وقد قضيت الذي عليك ، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم ، ولئن كنا إنما نقاتل الله -كما يزعم محمد- فما لأحد بالله من طاقة .

                                                                                                                                                                                                                              فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم حكيم بن حزام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دعوهم ، فما شرب منهم أحد إلا قتل ، إلا ما كان من حكيم بن حزام ، فإنه لم يقتل» وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، فكان إذا اجتهد في يمينه قال : لا والذي نجاني يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                              فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي -وأسلم بعد ذلك- فقالوا له : احزر لنا أصحاب محمد ، فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم ، فقال : ثلاثمائة رجل ، يزيدون قليلا [ ص: 32 ] أو ينقصون ، ولكن أمهلوني حتى أنظر : أللقوم كمين أو مدد ؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا ، فرجع إليهم فقال : ما رأيت شيئا ، ولكن رأيت -يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، أما ترونهم خرسا لا يتكلمون ، يتلمظون تلمظ الأفاعي ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم ، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما في العيش خير بعد ذلك فروا رأيكم .

                                                                                                                                                                                                                              فبعثوا أبا سلمة الجشمي فأطاف بالمسلمين على فرسه ، ثم رجع فقال : والله ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا ، ولكن رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم ، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، زرق العيون كأنها الحصا تحت الحجف ، فروا رأيكم .

                                                                                                                                                                                                                              فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس ، فأتى عتبة بن ربيعة فكلمه ليرجع بالناس ، وقال : يا أبا الوليد ، إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها ، هل لك إلى أمر لا تزال تذكر فيه بخير إلى آخر الدهر ؟ قال : وما ذاك يا حكيم ؟ قال : ترجع بالناس ، وتحتمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي . قال : قد فعلت ، أنت علي بذلك ، إنما هو حليفي ، فعلي عقله وما أصيب من ماله ، فأت ابن الحنظلية فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ، يعني أبا جهل بن هشام ، ثم قام عتبة خطيبا في الناس فقال : يا معشر قريش إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا ، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه ، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته ، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب ، فإن أصابوه فذلك الذي أردتم ، وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون ، إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير ، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا : جبن عتبة ، وأنتم تعلمون أني لست بأجبنكم . قال حكيم : فانطلقت حتى أتيت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيئها -وعند ابن هشام : يهنئها- فقلت له : يا أبا الحكم إن عتبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال ، فقال : انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه ، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ، ولكنه قد رأى أن محمدا وأصحابه أكلة جزور ، وفيهم ابنه ، فقد تخوفكم عليه ، ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال : هذا حليفك عتبة يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثأرك بعينك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك ، فقام عامر بن الحضرمي فكشف عن استه ، ثم صاح : واعمراه واعمراه ؟ فحميت الحرب ، وحقب أمر الناس ، واستوسقوا على ما هم عليه من الشر ، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة . [ ص: 33 ]

                                                                                                                                                                                                                              ولما بلغ عتبة قول أبي جهل : «انتفخ والله سحره» قال : سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره : أنا أم هو ؟

                                                                                                                                                                                                                              ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه ، فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته ، فلما رأى ذلك اعتجر ببرد له على رأسه .

                                                                                                                                                                                                                              وسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه ، فقال له إيماء بن رحضة : بئس الفأل هذا ؟ .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر محمد بن عمر الأسلمي والبلاذري وصاحب الإمتاع : أن قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليهم ، يقول لهم : ارجعوا فإنه أن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلي من أن تلوه مني ، وأن أليه من غيركم أحب إلي من أن أليه منكم ، فقال حكيم بن حزام : قد عرض نصحا فاقبلوه ، فوالله لا تنتصرون عليه بعدما عرض من النصح ، فقال أبو جهل : والله لا نرجع بعد أن مكننا الله منهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عائذ : وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : غر هؤلاء دينهم ، منهم أبو البختري بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وذكر غيرهم لما تقالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة ، فأنزل الله تعالى : إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم [الأنفال : 49] لا يغالب ، ينصر من يستحق النصر وإن كان ضعيفا ، فعزته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه ، أخبر تعالى أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر : خذوهم أخذا فاربطوهم في الحبال ، ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل : إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة [القلم : 17] يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية