ذكر تعظيم أجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعله معه المشركون 
تكاثر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله . رمى عتبة بن أبي وقاص   - لعنه الله - رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أحجار فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السفلى وجرح شفته السفلى . 
قال الحافظ : والمراد بكسر الرباعية - وهي السن التي بين الثنية والتاب - أنها كسرت فذهب منها فلقة ، ولم تقلع من أصلها . 
وروى  عبد الرزاق  في تفسيره عن مقسم  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص  حين كسر رباعيته ورمى وجهه  ، فقال : اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت - كافرا ، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار ، ورواه  أبو نعيم  من وجه آخر عن  ابن عباس   . 
وروى  الحاكم  عن  حاطب بن أبي بلتعة  رضي الله عنه : أنه لما رأى ما فعل عتبة  برسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله من فعل بك ؟ قال : «عتبة بن أبي وقاص » . قلت : أين توجه ؟ فأشار إلى حيث توجه ، فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه ، فأخذت رأسه وفرسه ، وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [فسلم ] ذلك إلي ، ودعا لي فقال : «رضي الله عنك » ، مرتين  . 
 [ ص: 199 ] وروى  الخطيب  في تاريخ بغداد عن الحافظ محمد بن يوسف الفريابي  قال : بلغني أن الذين كسروا رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبي ، فنبتت له رباعية . 
قال السهيلي   : ولم يولد من نسل عتبة  ولد يبلغ الحلم إلا وهو أهتم أبخر ، يعرف ذلك في عقبه . وشجه عبد الله بن شهاب الزهري   - وأسلم بعد ذلك - في وجهه ، وسال الدم من الشجة حتى أخضل الدم لحيته الشريفة . نفسي له الفداء . 
ورواه عبد الله بن قمئة   - بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة - فشج وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته . وعلاه بالسيف . وكان عليه درعان ، فوقع صلى الله عليه وسلم في حفرة أمامه على جنبه ، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق  ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون ، فأغمي عليه صلى الله عليه وسلم ، كما رواه  ابن جرير  عن  قتادة  ، فأخذ  علي بن أبي طالب  بيده ، ورفعه  طلحة  حتى استوى قائما فجحشت ركبتاه ، ولم يصنع سيف ابن قمئة  شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف ، ومكث يجد وهن الضربة على عاتقه شهرا ، أو أكثر من شهر . ورمته جماعة كثيرة بالحجارة حتى وقع لشقه . 
وروى  الطبراني  عن  أبي أمامة  رضي الله عنه : أن ابن قمئة  لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خذها وأنا ابن قمئة  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أقمأك الله » ، فسلط الله تعالى عليه تيس جبل ، فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة  . 
وروى  أبو نعيم  عن نافع بن عاصم  قال : الذي أدمى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قمئة   رجل من هذيل  ، فسلط الله تعالى عليه تيسا ، فنطحه حتى قتله . 
وروى  أبو داود الطيالسي   وابن حبان  عن  عائشة  قالت : كان  أبو بكر  إذا ذكر يوم أحد  قال : ذلك اليوم كله لطلحة  ، ثم أنشأ يحدث قال : كنت ممن فاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد  فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه - قال : وأراه قال يحميه - قال : قلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحب إلي ، وبيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، وهو يخطف خطفا لا أخطفه ، فإذا هو  أبو عبيدة بن الجراح  ، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كسرت رباعيته ، وشج وجهه ، وقد دخل في وجنته حلقتان من حلق المغفر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكما صاحبكما ، يريد  طلحة  ، وقد نزف الدم فتركناه ، وذهبت لأنزل ذلك من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال  أبو عبيدة   : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، فتركته ، وكره أن يتناولها بيده فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأزم  [ ص: 200 ] عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ، ووقعت ثنيته مع الحلقة ، وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقي لما تركتني ، ففعل كما فعل في المرة الأولى ، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة ، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما ، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتينا  طلحة  في بعض تلك الحفر ، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية ، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه  . 
وذكر محمد بن عمر  أن  طلحة  أصيب يومئذ في رأسه ، فنزف الدم حتى غشي عليه ، فنضح  أبو بكر  الماء في وجهه حتى أفاق فقال : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : خيرا ، هو أرسلني إليك ، قال : الحمد لله ، كل مصيبة بعده جلل . 
وفي حديث  أبي سعيد الخدري  عن محمد بن عمر   : أن الحلقتين لما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن ، فجعل مالك بن سنان  يأخذ الدم بفيه ويمجه منه ويزدرد منه ، فقال له : «أتشرب الدم ؟ » قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مس دمه دمي لم تصبه النار » . وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه ، يقع النبل في ظهره وهو ينحني عليه ، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك  . 
وقاتل  عبد الرحمن بن عوف  قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب فوه فهتم  ، وجرح عشرين جراحة أو أكثر ، وجرح في رجله ، وكان يعرج منها . وروى ذلك  الحاكم  عن إبراهيم بن سعد   . وقاتل  سعد بن أبي وقاص  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا   . 
روى  الحاكم  عن عائشة بنت سعد  عن أبيها قال : لما جال الناس يوم أحد  تلك الجولة تنحيت فقلت : أذود عن نفسي ، فإما أنجو وإما أن أستشهد ، فإذا رجل محمر وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه ، فملأ يده من الحصا فرماهم به ، وإذا بيني وبينه المقداد  ، فأردت أن أسأله عن الرجل ، فقال لي : «يا سعد  هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك » فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى ، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول : «اللهم سهمك فارم به عدوك » ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم استجب لسعد  ، اللهم سدد لسعد  رميته ، إيها سعد  ، فداك أبي وأمي  ، فما من سهم أرمي به إلا قال رسول الله : «اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته » ، حتى إذا فرغت من كناني نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيا قال وهو الذي قد ريش وكان أسد من غيره . 
 [ ص: 201 ] قال  الزهري   : السهام التي رمى بها سعد  يومئذ كانت ألف سهم   . 
وروى ابن عائذ  عن يحيى بن حمزة  مرسلا ، عن  سعد بن أبي وقاص  قال : رميت بسهم فرد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه ، حتى واليت بين ثمانية أو تسعة ، كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت هذا السهم في كنانتي لا يفارقني . 
وروى  البخاري   والحسن بن عرفة ،  عن سعد  قال : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد  ، وقال : «ارم فداك أبي وأمي »  . 
روى  البخاري  عن  علي  رضي الله عنه قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك  ، سمعته يقول يوم أحد   : «يا سعد  ارم فداك أبي وأمي »  . وروى أيضا عن سعد  قال : «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بين أبويه كليهما ، يريد حين قال : «فداك أبي وأمي ، وهو يقاتل »  . 
قال محمد بن عمر  رحمه الله : كان رجال من المشركين قد أذلقوا المسلمين بالرمي منهم حبان بن العرقة  ، وأبو أسامة الجشمي   . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد   : «ارم فداك أبي وأمي » ورمى حبان  بسهم فأصاب ذيل أم أيمن وكانت تسقي الجرحى ، فانكشف عنها فاستغرب عدو الله في الضحك ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد [بن أبي وقاص  سهما ] لا نصل له ، فقال : «ارم به » ، فوقع السهم في ثغرة نحر حبان ، فوقع مستلقيا وبدت عورته ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : «استقاد لها سعد  أجاب الله دعوتك وسدد رميتك »  . 
وكان مالك بن زهير  أخو أبي أسامة الجشمي  وهو وحبان بن العرقة  قد أكثرا في المسلمين القتل بالنبل ، فرمى سعد   مالكا  بسهم أصاب عينه ، حتى خرج من قفاه وقتله . وقاتلت  أم عمارة نسيبة   - وهي بمهملة وموحدة مصغر على المشهور ، وعن  ابن معين  والفربري  ككريمة - بنت كعب المازنية  يومئذ ، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وباشرت القتال ، وجعلت تذب عنه بالسيف ، وترمي عن القوس . ولما قصد ابن قمئة  رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترضت له  ومصعب بن عمير  ، وضربت ابن قمئة  ضربات ، ولكن عدو الله كان عليه درعان ، وضربها هو بالسيف فجرحها جرحا عظيما ، صار له فيما بعد غور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لمقام  نسيبة بنت كعب  اليوم خير من مقام فلان وفلان  وقال : «ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني »  . وقال لابنها عبد الله بن زيد بن عاصم   : «بارك الله  [ ص: 202 ] تعالى عليكم أهل بيت ، مقام أمكم خير من مقام فلان وفلان ، ومقام زوج أمك غزية بن عمرو  خير من مقام فلان وفلان ، رحمكم الله أهل بيت » . قالت أم عمارة   : «ادع الله تعالى أن نرافقك في الجنة » ، قال : «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة » . قالت : «ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا »  . 
قال  البلاذري   : شهدت  نسيبة  يوم أحد  وزوجها وابناها ، وخرجت معها بشن لها تسقي الجرحى ، فقاتلت وجرحت اثني عشر رجلا بسيف ورمي ، وكانت أول النهار تسقي المسلمين ، والدولة لهم ، ثم قاتلت حين كر المشركون ، وقاتلت يوم اليمامة  فقطعت يدها وهي تريد مسيلمة الكذاب  لتقتله . قالت : «ما كانت لي ناهية حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني  عبد الله بن زيد  يمسح سيفه بثيابه ، فقلت : أقتلته ؟ قال : نعم ، فسجدت لله شكرا » . 
وروى ابن سعد  عن موسى بن ضمرة بن سعيد  عن أبيه قال : أتى  عمر بن الخطاب  بمروط وفيها مرط جيد واسع ، فقال بعضهم : لو أرسلت به إلى زوجة  عبد الله بن عمر  صفية بنت أبي عبيد   . فقال : «ابعثوا به إلى من هو أحق به منها ، إلى  أم عمارة نسيبة بنت كعب  ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا رأيتها تقاتل دوني »  . 
وانحاز صلى الله عليه وسلم إلى الجبل لينظر أمر الناس ، وليعرفه أصحابه ، فيقصدوه ، فأدركه المشركون يريدون ما الله تعالى حائل بينه وبينهم ، فدثه جماعة بالحجارة حتى وقع لشقه . 
وروى  النسائي   والبيهقي  بسند جيد عن  جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما قال : انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد  ، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار  ،  وطلحة بن عبيد الله  ، وهو يصعد في الجبل ، فلحقهم المشركون ، فقال : «ألا أحد لهؤلاء ؟ » فقال طلحة : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كما أنت يا طلحة » ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله . فقاتل عنه ، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بقي معه من أصحابه ، ثم قتل الأنصاري ، فلحقوه فقال : «ألا رجل لهؤلاء ؟ » فقال طلحة مثل قوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله ، فقال رجل من الأنصار : فأنا يا رسول الله ، فقاتل وأصحابه يصعدون في الجبل ، ثم قتل الأنصاري ، فلحقوه ، فلم يزل يقول مثل قوله الأول ، ويقول  طلحة   : أنا يا رسول الله فيحبسه ، ويستأذنه رجل من الأنصار للقتال ، فيأذن له ، فيقاتل مثل من كان قبله حتى لم يبق معه إلا  طلحة  ، فغشوهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لهؤلاء يا  طلحة  ؟ » فقال : أنا ، فقاتل مثل قتال جميع من كان قبله ، وأصيبت أنامله ، فقال : حس ، فقال : لو قلت : بسم الله لرفعتك الملائكة ، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء  . 
 [ ص: 203 ] وروى  الإمام أحمد  ،  ومسلم  ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه : أن المشركين لما أرهقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجل من قريش قال : من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة ؟ فجاء رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ، ثم رهقوه أيضا ، فقال : من يردهم عنا وله الجنة ؟ - أو هو رفيقي في الجنة ؟ - فتقدم رجل من الأنصار فقاتل ، حتى قتل السبعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنصفنا أصحابنا »  . 
وروى  البخاري  عن  قيس بن أبي حازم  قال : رأيت يد  طلحة بن عبيد الله  شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد   . 
وروى  الدارقطني  في الإفراد ،  والطبراني  عن  طلحة   .  والنسائي  ،  والطبراني  ،  والبيهقي  عن  جابر بن عبد الله  رضي الله عنهم : أن  طلحة  أصابه سهم في أنامله فقال : حس   . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو قلت بسم الله لطارت بك الملائكة والناس ينظرون حتى تلج بك في جو السماء ، ولرأيت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا »  . 
وروى  ابن أبي شيبة   والإمام أحمد  عن  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه قال : إن النساء يوم أحد  كن خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين ، فلو حلفت يومئذ لرجوت أن أبر أنه ليس أحد منا يريد الدنيا ، حتى أنزل الله تعالى : منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة   [آل عمران 152 ] فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة : سبعة من الأنصار ، ورجلين من قريش ، وهو عاشرهم ، فلما رهقوه قال : رحم الله ردهم عنا فذكر نحو الحديث الذي قبله . 
وقال  ابن إسحاق   : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم قال : «من رجل يشري لنا نفسه ؟ » فقام زياد بن السكن  في خمسة من الأنصار   - وبعض الناس يقول : إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن   - ، فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا يقتلون دونه ، حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة ، فقاتل حتى أثبتته الجراحة ، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أدنوه مني » ، فأدنوه منه فوسده قدمه ، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه أربع عشرة جراحة  . 
وقاتل  علي بن أبي طالب  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية ، وأبو دجانة  من ناحية ،  وسعد بن أبي وقاص  من ناحية ، وانفرد  علي بن أبي طالب  بفرقة فيها  عكرمة بن أبي جهل  ،  [ ص: 204 ] فدخل وسطهم بالسيف يضرب به وقد اشتملوا عليه ، حتى أفضى إلى آخرهم ، ثم كرهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء . وكان الحباب بن المنذر  يجوس المشركين كما تجاس الغنم  ، ثم اشتملوا عليه حتى قيل قد قتل ، ثم برز والسيف في يده ، وافترقوا عنه . وأبلى  أبو طلحة  يومئذ بلاء شديدا   . 
وروى الشيخان ومحمد بن عمر الأسلمي  ، عن  أنس  رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد  انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة  بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوب عنه بحجفته - وفي لفظ : يجوب عليه بحجفته - وكان  أبو طلحة  رجلا راميا شديد الرمي - وفي لفظ : النزع - فنثر كنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يرمي بها ، وكسر يومئذ قوسين أو ثلاثة ، وكان الرجل يمر بالجعبة من النبل ، فيقول صلى الله عليه وسلم : «انثرها  لأبي طلحة  » ، ويشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ، فيقول  أبو طلحة   : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك  ! 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					