ذكر أمره صلى الله عليه وسلم بدفن من استشهد يوم أحد
روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالشهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود ، وقال : «ادفنوهم بدمائهم وثيابهم » .
وروى أبو داود عن هشام بن عامر الأنصاري قال : جاءت الأنصار يوم أحد فقالوا : يا رسول الله لقد أصابنا قرح وجهد ، فكيف تأمرنا ؟ فقال : احفروا واعمقوا ووسعوا ، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر الواحد ، قيل : يا رسول الله فأيهم يقدم ؟ قال : «أكثرهم قرآنا » .
وروى ابن أبي شيبة في سنده والطبراني برجال الصحيح ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف يوم أحد بين ظهراني القتلى فقال : «أنا شهيد على هؤلاء ، كفنوهم بدمائهم ، فإنه ليس جريح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم ، وريحه ريح المسك ، قدموا أكثرهم قرآنا فاجعلوه في اللحد » .
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : «أنا شهيد على هؤلاء » ، وأمر بدفنهم بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلهم .
قال جابر : وكفن أبي وعمي في نمرة واحدة .
وروى ابن إسحاق عن أشياخ من بني سليم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى : «انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام ، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في قبر واحد » .
[ ص: 226 ] قال ابن إسحاق : وقد احتمل الناس قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال : «ردوهم وادفنوهم حيث صرعوا » .
قال محمد بن عمر فلم يرد أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي قبل أن يدفن ، وهو شماس بن عثمان المخزومي .
وروى الإمام أحمد والأربعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن قتلى أحد حملوا من أماكنهم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن ردوا القتلى إلى مضاجعهم .
وروى الإمام أحمد عنه قال : استشهد أبي بأحد فأرسلني أخواتي إليه بناضح لهن فقلن : اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل ، فادفنه في مقبرة بني سلمة . قال : فجئته وأعوان لي ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، وهو جالس بأحد ، فدعاني فقال : «والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع أصحابه [بأحد ] » .
وروى أبو داود والنسائي عنه أيضا قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ليقاتلهم ، وقال لي أبي عبد الله : يا جابر ، لا عليك أن تكون في النظارة من أهل المدينة ، حتى تعلم ما يصير أمرنا ، والله لولا أني أترك بنات بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي . قال : فبينا أنا في النظارة إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة ، إذ لحق رجل ينادي : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مضاجعها ، حيث قتلوا .
وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن مردويه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه فوقف عليه ، فدعا له ثم قرأ : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب 23 ] الآية . ثم قال : لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة ولا أحسن لمة منك .
وروى البخاري : أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام وكان صائما فقال : قتل مصعب بن عمير ، وهو خير من كفن في برده ، إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه .
وروى الخمسة عن خباب رضي الله عنه قال : هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي رحمة الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من قضى أو ذهب ولم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة ، وكنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا [ ص: 227 ] غطينا بها رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غطوا بها رأسه ، واجعلوا على رجليه من الإذخر . ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها » .


