ذكر إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم  حذيفة بن اليمان  رضي الله عنه ليكشف له خبرهم 
روى  الحاكم  وصححه  ابن مردويه  ،  وأبو نعيم   والبيهقي  كلاهما في الدلائل من طرق عن  حذيفة   ومسلم  ،  وابن عساكر  عن إبراهيم بن يزيد التيمي  عن أبيه ،  وابن إسحاق  عن  محمد بن كعب القرظي  ،  وأبو نعيم  مختصرا عن  ابن عمر   : أن  حذيفة  رضي الله عنه ذكر مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا- وفي لفظ : فقال رجل : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلت معه وأبليت- فقال  حذيفة   : لا تتمنوا ذلك ، لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود ، وأبو سفيان  ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ، ولا أشد ريحا منها ، وفي أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : إن بيوتنا عورة وما هي بعورة   [الأحزاب 13] فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ، فيتسللون ، ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك ، فاستقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا رجلا ، 
يقول : ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة- وفي لفظ : جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة-
فلم يجبه منا أحد ، ثم الثانية ، ثم الثالثة مثله . فقال  [ ص: 388 ] 
أبو بكر : يا رسول الله ابعث حذيفة ، فقلت : دونك والله ، فمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي ، 
قال : فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال : «من هذا ؟ » فقلت : حذيفة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حذيفة» . فقال حذيفة : 
فتقاصرت للأرض ، فقلت : بلى يا رسول الله ، كراهية أن أقوم ، قال : «قم» ، فقمت ، فقال : «إنه كائن في القوم خبر ، فأتني بخبر القوم»   . فقلت : والذي بعثك بالحق ، ما قمت إلا حياء منك من البرد . قال : «لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي» . قال : «وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا» ، فقلت : والله ما بي أن أقتل ، ولكن أخشى أن أوسر ، فقال : «إنك لن تؤسر» ، قال : 
فخرجت ، فقال : «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته» . قال : فوالله ما خلق الله تعالى في جوفي فزعا ولا قرا إلا خرج ، فما أجد فيه شيئا ، فمضيت كأنما أمشي في حمام ، فلما وليت ، دعاني فقال : «يا حذيفة ، لا تحدثن في القوم شيئا حتى تأتيني» . 
وفي رواية : فقلت : يا رسول الله مرني بما شئت ، فقال صلى الله عليه وسلم : «اذهب حتى تدخل بين ظهري القوم ، فأت قريشا ، فقل : يا معشر قريش ، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا : أين قريش ؟ أين قادة الناس ؟ أين رؤوس الناس ؟ فيقدموكم ، فتصلوا القتال فيكون القتل فيكم ، ثم ائت بني كنانة فقل : يا معشر بني كنانة ، إنما يريد الناس إذ كان غدا أن يقولوا : أين بني كنانة ؟ 
أين رماة الحدق فيقدموكم ، فتصلوا القتال ، فيكون القتل فيكم ، ثم ائت قيسا فقل : يا معشر قيس ، إنما يريد الناس إذا كان غدا أن يقولوا : أين قيس ؟ أين أحلاس الخيل ؟ أين الفرسان ؟ 
فيقدموكم ، فتصلوا القتال ، فيكون القتل فيكم» . 
فقال حذيفة : فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد ، وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ، وحوله عصبة ، قد تفرق عنه الأحزاب ، وهو يقول : الرحيل الرحيل ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش فوضعته في كبد القوس لأرميه في ضوء النار ، فذكرت 
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحدثن في القوم شيئا ، حتى تأتيني» 
فأمسكت ورددت سهمي . فلما جلست فيهم أحس أبو سفيان أن قد دخل فيهم غيرهم ، فقال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، وفي لفظ : فلينظر من جليسه . فضربت بيدي على يد الذي عن يميني فأخذت بيده ، فقلت : من أنت ؟ قال :  معاوية بن أبي سفيان  ، ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي فقلت : من أنت ؟ قال :  عمرو بن العاص  ، فعلت ذلك خشية أن يفطن بي فبدرتهم بالمسألة ، ثم تلبثت فيهم هنيهة . وأتيت بني كنانة  وقيسا  ، وقلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دخلت في العسكر ، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر  ، ونادى عامر بن علقمة بن علاثة   : يا بني عامر  ، إن الريح قاتلتي وأنا على ظهر ، وأخذتهم ريح شديدة ، وصاح  [ ص: 389 ] 
بأصحابه . فلما رأى ذلك أصحابه جعلوا يقولون : يا بني عامر  ، الرحيل الرحيل ، لا مقام لكم . 
وإذا الريح في عسكر المشركين ما تجاوز عسكرهم شبرا  ، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، وفرشهم والريح تضرب بها ، فلما دنا الصبح نادوا : أين قريش ؟ أين رؤوس الناس ؟ 
فقالوا : أيهات ، هذا الذي أتينا به البارحة . أين كنانة ؟ فقالوا : أيهات ، هذا الذي أتينا به البارحة ، أين قيس ؟ أين أحلاس الخيل ؟ فقالوا : أيهات ، هذا الذي أتينا به البارحة . فلما رأى ذلك أبو سفيان أمرهم بأن تحملوا فتحملوا ، وإن الريح لتغلبهم على بعض أمتعتهم حتى رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول ، فجعل يستحثه ولا يستطيع أن يقوم ، حتى حل بعد . ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بعشرين فارسا أو نحو ذلك معتمين ، قالوا : - وفي لفظ : فارسين ، فقالا- : أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم بالجنود والريح ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي ، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر ، وجعلت أقرقف ، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، [وهو يصلي] فدنوت منه ، فسدل علي من فضل شملته- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى-  فأخبرته خبر القوم ، وأني تركتهم يرحلون . 
فلم أزل نائما حتى جاء الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
«قم يا نومان» . 
وذكر ابن سعد  أن  عمرو بن العاص   وخالد بن الوليد  أقاما في مائتي فارس ساقة للعسكر ، وردءا لهم مخافة الطلب . 
				
						
						
