قصة الغرق 
ثم إن الله تعالى أمر موسى  أن يخرج ببني إسرائيل ، وأوحى إليه: أن أسر بعبادي   [20: 77] . 
فأمر موسى  بني إسرائيل أن يستعيروا الحلي من القبط ، فخرجوا ليلا وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا ، وخرج موسى  ومعه تابوت يوسف  عليه السلام لما خرج ليدفنه مع آبائه في الأرض المقدسة . 
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ،  أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ،  أخبرنا الحسن بن زكريا ،  أخبرنا عبد الباقي بن قانع ،  أخبرنا أبو الغوث طيب بن إسماعيل العجلي ،  حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي ،  حدثنا ابن فضيل ،  حدثنا يونس بن عمرو ،  عن أبي بردة ،  عن أبي موسى ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي فأكرمه ، فقال: "يا أعرابي تعاهدنا" ، قال: فأتاه فقال: اسأل حاجتك ، قال: ناقة برحلها وأجير يحملها علي . قالها مرتين . قال: "يا أعرابي ، أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل" . فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل فقال له: "إن موسى  لما أراد أن يسير ببني إسرائيل ضل عن الطريق ، فقال لعلماء بني  [ ص: 348 ] إسرائيل: ما هذا؟ قالوا: نحن نخبرك: إن يوسف  عليه السلام لما حضره الموت أخذ مواثيق من الله أن لا نخرج من مصر  حتى نخرج عظامه معنا ، فقال موسى:  وأيكم يدري أين قبر يوسف؟  قالوا: ما تدري إلا عجوز في بني إسرائيل ، فأرسل إليها ، فقالت: والله لا أقول حتى تعطيني حكمي ، قال: وما حكمك؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة ، فقيل له: أعطها ، فأتت مستنقع ماء ، فقالت: أنضبوا هذا الماء ، فلما أنضبوه قالت: احفروا ها هنا فاحتفروا ، فبدت عظام يوسف ،  فلما أقلوها من الأرض بان لهم الطريق مثل ضوء النهار . 
قال علماء السير: وكان لموسى  حين خرج من مصر  ثمانون سنة ، ويقال: إن بين مولد إبراهيم  إلى خروج موسى  ببني إسرائيل من مصر  خمسمائة وخمس سنين ، وأن من هبوط آدم  إلى خروج موسى  ببني إسرائيل من مصر  ثلاثة آلاف سنة وثمانمائة وأربعين سنة . 
ودعا موسى  حين خرج ، فقال: ربنا اطمس على أموالهم   [10: 88] فجعلت دراهمهم ودنانيرهم حجارة ، حتى الحمص والعدس والجوز ، فلما خرجوا ألقي على القبط الموت فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلب بني إسرائيل . 
وقيل: بل علموا في الليل بخروجهم ، فقال فرعون: لا نتبعهم حتى يصيح الديك ، فما صاح ديك بلد بالليل . 
وكان موسى  على الساقة ، وهارون  يقدمهم ، وتبعهم فرعون على مقدمته هامان  في ألف ألف وستمائة ألف حصان . 
فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون   [26: 61] هذا البحر بين أيدينا وهذا فرعون خلفنا ، قال موسى:  كلا إن معي ربي سيهدين   [26: 62] . 
قال  قتادة:  ذكر لنا أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى ،  وكان يقول: أين أمرت يا نبي الله [أن تنزل]؟ فيقول: أمامك ، فيقول: وهل أمامي إلا البحر؟ فيقول:  [ ص: 349 ] ما كذبت ولا كذبت . فأوحى الله إلى موسى:  اضرب بعصاك البحر  ، فأوحى إلى البحر: إذا ضربك موسى  فانفلق له ،  فبات البحر يضرب بعضه بعضا فزعا من الله عز وجل ، وانتظارا لأمره ، فضربه فانفلق اثنا عشر طريقا على عدد الأسباط ، فسار موسى  وأصحابه على طريق يابس والماء قائم بين كل فريقين ، فلما دخل بنو إسرائيل ولم يبق منهم أحد ، أقبل فرعون على حصان له حتى وقف على شفير البحر ، فهاب الحصان أن ينفذ ، فعرض له جبرئيل  على فرس أنثى وديق ، فشمها الفرس فدخل فرعون فدخل قومه ، وجبرئيل  أمامه وميكائيل  على فرس خلف القوم يحثهم ، يقول: الحقوا بصاحبكم ، فلما أراد أولهم أن يصعدوا تكامل نزول آخرهم انطبق البحر عليهم ، فنادى فرعون: آمنت   [10: 90] . 
قال  ابن عباس:  جاء جبرئيل  إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد ،  لو رأيتني وأنا أدس من حمأة البحر في في فرعون؛ مخافة أن تدركه الرحمة .  
قال العلماء: فقال قوم: إن فرعون لم يغرق ، فقذفه البحر حتى رأوه فعرفوه ، فذلك قوله تعالى: فاليوم ننجيك ببدنك   [10: 92] . 
أخبرنا عبد الأول ،  أخبرنا  الداودي ،  أخبرنا ابن أعين ،  حدثنا إبراهيم بن خريم ،  حدثنا  عبد بن حميد ،  حدثنا إبراهيم بن الحكم ،  قال: حدثني أبي ، عن عكرمة ،  عن  ابن عباس ،  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "كان أصحاب موسى  الذين جاوزوا البحر اثني عشر سبطا ، وكان في كل طريق اثنا عشر ألفا كلهم ولد يعقوب  النبي صلى الله عليه وسلم" 
ومن الحوادث 
أن بني إسرائيل مروا على قوم يعكفون على أصنامهم ، فقالوا: يا موسى  اجعل لنا إلها ، فأجابهم بما قص الله عز وجل في القرآن .  [ ص: 350 ] 
ذكر طلبهم للتوبة 
لما ندموا سألوا قبول التوبة فقيل لهم: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم   [2: 54] . 
فروى عكرمة  عن  ابن عباس ،  قال: لما أمروا بقتل أنفسهم ، قالوا: يا نبي الله كيف نقتل الأبناء والإخوة ، فأنزل الله تعالى عليهم ظلمة لا يرى بعضهم بعضا ، فقتلوا وقالوا: ما آية توبتنا؟ قال: أن يقوم السلاح والسيف فلا يقتل ، فقتلوا حتى خاضوا في الدماء ، وصاح الصبيان: يا موسى  العفو العفو ، فبكى موسى  فأنزل الله تعالى التوبة ، وقام السلاح وانكشفت الظلمة عن سبعين ألفا . 
قيل: قال  قتادة:  فجعل الله القتل للمقتول شهادة وللحي توبة . هذا يدل على أن الكل ابتلوا . 
وقال ابن السائب  والمقاتل: إنما أمر من لم يعبد أن يقتل العابدين ، وأن لا يمتنع العابدون من ذلك . 
وقال أبو سليمان الدمشقي:  إنما الخطاب لعبدة العجل وحدهم ، أمروا أن يقتل بعضهم بعضا . 
				
						
						
