قوله تعالى : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون  
قوله تعالى : ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل   ابتداء وخبر ; أي : ما المسيح  وإن ظهرت الآيات على يديه فإنما جاء بها كما جاءت بها الرسل ; فإن كان إلها فليكن كل رسول إلها ; فهذا رد لقولهم واحتجاج عليهم ، ثم بالغ في الحجة فقال : وأمه صديقة  ابتداء وخبر كانا يأكلان الطعام  أي : أنه مولود مربوب ، ومن ولدته النساء وكان يأكل الطعام مخلوق محدث كسائر المخلوقين ; ولم يدفع هذا أحد منهم ، فمتى يصلح المربوب لأن يكون ربا ؟ ! وقولهم : كان يأكل بناسوته لا بلاهوته فهذا منهم مصير إلى الاختلاط ، ولا يتصور اختلاط إله بغير إله ، ولو جاز اختلاط القديم بالمحدث لجاز أن يصير القديم محدثا ، ولو صح هذا في حق عيسى  لصح في حق غيره حتى يقال : اللاهوت مخالط لكل محدث ، وقال بعض المفسرين في قوله : كانا يأكلان الطعام  إنه كناية عن الغائط والبول ، وفي هذا   [ ص: 186 ] دلالة على أنهما بشران ، وقد استدل من قال : إن مريم  عليها السلام لم تكن نبية  بقوله تعالى : وأمه صديقة    . 
قلت : وفيه نظر ، فإنه يجوز أن تكون صديقة مع كونها نبية كإدريس  عليه السلام ; وقد مضى في " آل عمران " ما يدل على هذا . والله أعلم . وإنما قيل لها صديقة لكثرة تصديقها بآيات ربها وتصديقها ولدها فيما أخبرها به . عن الحسن  وغيره . والله أعلم . 
قوله تعالى : انظر كيف نبين لهم الآيات  أي الدلالات . ثم انظر أنى يؤفكون  أي : كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان ; يقال : أفكه يأفكه إذا صرفه ، وفي هذا رد على القدرية والمعتزلة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					