قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ياأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ناجيتم ساررتم .
قال ابن عباس : نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه ، فأراد الله عز وجل أن يخفف عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما قال ذلك كف كثير من الناس . ثم وسع الله عليهم بالآية التي بعدها .
وقال الحسن : نزلت بسبب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون [ ص: 270 ] النبي صلى الله عليه وسلم ويناجونه ، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى ، فشق عليهم ذلك فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ؛ ليقطعهم عن استخلائه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : إنه أذن يسمع كل ما قيل له ، وكان لا يمنع أحدا مناجاته . فكان ذلك يشق على المسلمين ، لأن الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم ناجوه بأن جموعا اجتمعت لقتاله . قال : فأنزل الله تبارك وتعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=9يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول الآية ، فلم ينتهوا فأنزل الله هذه الآية ، فانتهى أهل الباطل عن النجوى ، لأنهم لم يقدموا بين يدي نجواهم صدقة ، وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا من النجوى ، لضعف مقدرة كثير منهم عن الصدقة فخفف الله عنهم بما بعد الآية .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وفي هذا الخبر عن
زيد ما يدل على أن الأحكام لا تترتب بحسب المصالح ، فإن الله تعالى قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذلك خير لكم وأطهر ثم نسخه مع كونه خيرا وأطهر . وهذا رد على
المعتزلة عظيم في التزام المصالح ، لكن راوي الحديث عن
زيد ابنه عبد الرحمن وقد ضعفه العلماء . والأمر في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذلك خير لكم وأطهر نص متواتر في الرد على
المعتزلة . والله أعلم .
الثالثة : روى
الترمذي عن
علي بن علقمة الأنماري nindex.php?page=hadith&LINKID=831022عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة سألته قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " ما ترى دينارا " قلت : لا يطيقونه . قال : " فنصف دينار " قلت : لا يطيقونه . قال : " فكم " ؟ قلت : شعيرة . قال : " إنك لزهيد " قال : فنزلت : nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية . قال : فبي خفف الله عن هذه الأمة . قال
أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، ومعنى قوله : شعيرة يعني وزن شعيرة من ذهب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وهذا يدل على مسألتين حسنتين أصوليتين : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=22198نسخ العبادة [ ص: 271 ] قبل فعلها . والثانية : النظر في المقدرات بالقياس ، خلافا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة .
قلت : الظاهر أن النسخ إنما وقع بعد فعل الصدقة . وقد روي عن
مجاهد : أن أول من تصدق في ذلك
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وناجى النبي صلى الله عليه وسلم . روي أنه تصدق بخاتم . وذكر
القشيري وغيره عن
علي بن أبي طالب أنه قال : في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة كان لي دينار فبعته ، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد ، فنسخت بالآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات . وكذلك قال
ابن عباس : نسخها الله بالآية التي بعدها . وقال
ابن عمر : لقد كانت
لعلي رضي الله عنه ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه
فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم
خيبر ، وآية النجوى .
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذلك خير لكم أي : من إمساكها وأطهر لقلوبكم من المعاصي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فإن لم تجدوا يعني الفقراء
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فإن الله غفور رحيم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ نَاجَيْتُمْ سَارَرْتُمْ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُكْثِرُونَ الْمَسَائِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ ، فَأَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ كَفَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ . ثُمَّ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا .
وَقَالَ الْحَسَنُ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْتَخْلُونَ [ ص: 270 ] النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنَاجَوْنَهُ ، فَظَنَّ بِهِمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَهُمْ فِي النَّجْوَى ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ النَّجْوَى ؛ لِيَقْطَعَهُمْ عَنِ اسْتِخْلَائِهِ .
وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ كَانُوا يُنَاجُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ أُذُنٌ يَسْمَعُ كُلَّ مَا قِيلَ لَهُ ، وَكَانَ لَا يَمْنَعُ أَحَدًا مُنَاجَاتَهُ . فَكَانَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يُلْقِي فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ نَاجَوْهُ بِأَنَّ جُمُوعًا اجْتَمَعَتْ لِقِتَالِهِ . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=9يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ الْآيَةَ ، فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ، فَانْتَهَى أَهْلُ الْبَاطِلِ عَنِ النَّجْوَى ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُمْ صَدَقَةً ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَامْتَنَعُوا مِنَ النَّجْوَى ، لِضَعْفِ مَقْدِرَةِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِمَا بَعْدَ الْآيَةِ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَفِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ
زَيْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ثُمَّ نَسَخَهُ مَعَ كَوْنِهِ خَيْرًا وَأَطْهَرَ . وَهَذَا رَدٌّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ عَظِيمٌ فِي الْتِزَامِ الْمَصَالِحِ ، لَكِنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ
زَيْدٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ . وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ نَصٌّ مُتَوَاتِرٌ فِي الرَّدِّ عَلَى
الْمُعْتَزِلَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّالِثَةُ : رَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=831022عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً سَأَلْتُهُ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَى دِينَارًا " قُلْتُ : لَا يُطِيقُونَهُ . قَالَ : " فَنِصْفُ دِينَارٍ " قُلْتُ : لَا يُطِيقُونَهُ . قَالَ : " فَكَمْ " ؟ قُلْتُ : شَعِيرَةٌ . قَالَ : " إِنَّكَ لَزَهِيدٌ " قَالَ : فَنَزَلَتْ : nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ الْآيَةَ . قَالَ : فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . قَالَ
أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : شَعِيرَةٌ يَعْنِي وَزْنَ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ أُصُولِيَّتَيْنِ : الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=22198نَسْخُ الْعِبَادَةِ [ ص: 271 ] قَبْلَ فِعْلِهَا . وَالثَّانِيَةُ : النَّظَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ بِالْقِيَاسِ ، خِلَافًا
nindex.php?page=showalam&ids=11990لِأَبِي حَنِيفَةَ .
قُلْتُ : الظَّاهِرُ أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ فِعْلِ الصَّدَقَةِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ : أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَصَدَّقَ فِي ذَلِكَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَاجَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رُوِيَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمٍ . وَذَكَرَ
الْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ : فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي ، وَهِيَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً كَانَ لِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ ، فَكُنْتُ إِذَا نَاجَيْتُ الرَّسُولَ تَصَدَّقْتُ بِدِرْهَمٍ حَتَّى نَفِدَ ، فَنُسِخَتْ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=13أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : نَسَخَهَا اللَّهُ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا . وَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ : لَقَدْ كَانَتْ
لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلَاثَةٌ لَوْ كَانَتْ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ : تَزْوِيجُهُ
فَاطِمَةَ ، وَإِعْطَاؤُهُ الرَّايَةَ يَوْمَ
خَيْبَرَ ، وَآيَةُ النَّجْوَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ أَيْ : مِنْ إِمْسَاكِهَا وَأَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا يَعْنِي الْفُقَرَاءَ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=12فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .