( قالوا إنما أنت من المسحرين    ( 185 ) وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين   ( 186 ) فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين   ( 187 ) قال ربي أعلم بما تعملون   ( 188 ) فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم   ( 189 ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين   ( 190 ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم   ( 191 ) ) . 
يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود  لرسولها - تشابهت قلوبهم - حيث قالوا : ( إنما أنت من المسحرين   ) يعنون : من المسحورين ، كما تقدم . 
( وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين   ) أي : تتعمد الكذب فيما تقوله ، لا أن الله أرسلك إلينا . 
( فأسقط علينا كسفا من السماء   ) : قال الضحاك   : جانبا من السماء . وقال قتادة   : قطعا من السماء . وقال  السدي   : عذابا من السماء . وهذا شبيه بما قالت قريش  فيما أخبر الله عنهم في قوله تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا   ) ، إلى أن قالوا : ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا   ) [ الإسراء : 90 - 92 ] . وقوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم   ) [ الأنفال : 32 ] ، وهكذا قال هؤلاء الكفرة الجهلة : ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين   ) . 
( قال ربي أعلم بما تعملون   ) يقول : الله أعلم بكم ، فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به غير ظالم لكم ، وكذلك وقع بهم كما سألوا ، جزاء وفاقا ; ولهذا قال تعالى : ( فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم   ) وهذا من جنس ما سألوا ، من إسقاط الكسف عليهم ، فإن الله سبحانه وتعالى ، جعل عقوبتهم أن أصابهم حر شديد جدا مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء ، ثم  [ ص: 161 ] أقبلت إليهم سحابة أظلتهم ، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر ، فلما اجتمعوا [ كلهم ] تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررا من نار ، ولهبا ووهجا عظيما ، ورجفت بهم الأرض وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم ; ولهذا قال : ( إنه كان عذاب يوم عظيم   ) . 
وقد ذكر الله تعالى صفة إهلاكهم في ثلاثة مواطن كل موطن بصفة تناسب ذلك السياق ، ففي الأعراف ذكر أنهم أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ; وذلك لأنهم قالوا : ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا   ) [ الأعراف : 88 ] ، فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه ، فأخذتهم الرجفة . وفي سورة هود  قال : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة   ) [ هود : 94 ] ; وذلك لأنهم استهزءوا بنبي الله في قولهم : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد   ) [ هود : 87 ] . قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء ، فناسب أن تأتيهم صيحة تسكتهم ، فقال : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة   ) وهاهنا قالوا : ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين   ) على وجه التعنت والعناد ، فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه . 
( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم   ) . 
قال قتادة   : قال عبد الله بن عمر  رضي الله عنه : إن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى ما يظلهم منه شيء ، ثم إن الله أنشأ لهم سحابة ، فانطلق إليها أحدهم واستظل بها ، فأصاب تحتها بردا وراحة ، فأعلم بذلك قومه ، فأتوها جميعا ، فاستظلوا تحتها ، فأججت عليهم نارا  . 
وهكذا روي عن عكرمة  ،  وسعيد بن جبير  ، والحسن  ، وقتادة ،  وغيرهم . 
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم  ، بعث الله إليهم الظلة ، حتى إذا اجتمعوا كلهم ، كشف الله عنهم الظلة ، وأحمى عليهم الشمس ، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى . 
وقال  محمد بن كعب القرظي   : إن أهل مدين  عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب : أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها ، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد ، ففرقوا أن يدخلوا إلى البيوت فتسقط عليهم ، فأرسل الله عليهم الظلة ، فدخل تحتها رجل فقال : ما رأيت كاليوم ظلا أطيب ولا أبرد من هذا . هلموا أيها الناس . فدخلوا جميعا تحت الظلة ، فصاح بهم صيحة واحدة ، فماتوا جميعا . ثم تلا محمد بن كعب   : ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم   ) . 
وقال ابن جرير   : حدثني الحارث  ، حدثني الحسن  ، حدثني سعيد بن زيد - أخو حماد بن زيد -  حدثني حاتم بن أبي صغيرة  حدثني يزيد الباهلي   : سألت ابن عباس  ، عن هذه الآية ( فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم   ) قال : بعث الله عليهم ومدة وحرا شديدا ، فأخذ  [ ص: 162 ] بأنفاسهم [ فدخلوا البيوت ، فدخل عليهم أجواف البيوت ، فأخذ بأنفاسهم ] فخرجوا من البيوت هرابا إلى البرية ، فبعث الله سحابة فأظلتهم من الشمس ، فوجدوا لها بردا ولذة ، فنادى بعضهم بعضا ، حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسلها الله عليهم نارا . قال ابن عباس   : فذلك عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم . 
( إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين   . وإن ربك لهو العزيز الرحيم   ) : أي : العزيز في انتقامه من الكافرين ، الرحيم بعباده المؤمنين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					