( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون    ( 59 ) أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون   ( 60 ) ) . 
يقول تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : ( الحمد لله   ) أي : على نعمه على عباده ، من النعم التي لا تعد ولا تحصى ، وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى ، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم ، وهم رسله وأنبياؤه الكرام ، عليهم من الله الصلاة والسلام ، هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،  وغيره : إن المراد بعباده الذين اصطفى : هم الأنبياء ، قال : وهو كقوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون  وسلام على المرسلين  والحمد لله رب العالمين   ) [ الصافات : 180 - 182 ] . 
وقال الثوري  ،  والسدي   : هم أصحاب محمد   - صلى الله عليه وسلم - رضي [ الله ] عنهم أجمعين ، وروي نحوه عن ابن عباس   . 
ولا منافاة ، فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى ، فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى ، والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعدما ذكر لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد ، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ، أن يحمدوه على جميع أفعاله ، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار . 
وقد قال  أبو بكر البزار   : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح  ، حدثنا طلق بن غنام  ، حدثنا الحكم بن ظهير  ، عن  السدي   - إن شاء الله - عن أبي مالك  ، عن ابن عباس   : ( وسلام على عباده الذين اصطفى   ) قال : هم أصحاب محمد   - صلى الله عليه وسلم - اصطفاهم الله لنبيه ، رضي الله عنهم . 
وقوله : ( آلله خير أم ما يشركون   ) : استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى . 
ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ، فقال : ( أمن خلق السموات والأرض   ) أي : تلك السموات بارتفاعها وصفائها ، وما جعل فيها من الكواكب النيرة والنجوم الزاهرة والأفلاك الدائرة ، والأرض باستفالها وكثافتها ، وما جعل فيها من الجبال والأوعار والسهول ، والفيافي والقفار ، والأشجار والزروع ، والثمار والبحور والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك . 
 [ ص: 202 ] 
وقوله : ( وأنزل لكم من السماء ماء   ) أي : جعله رزقا للعباد ، ( فأنبتنا به حدائق   ) أي : بساتين ( ذات بهجة   ) أي : منظر حسن وشكل بهي ، ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها   ) أي : لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها ، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق ، المستقل بذلك المتفرد به ، دون ما سواه من الأصنام والأنداد ، كما يعترف به هؤلاء المشركون ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله   ) [ الزخرف : 87 ] ، ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله   ) [ العنكبوت : 63 ] أي : هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له ، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق ، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق ; ولهذا قال : ( أإله مع الله   ) أي : أإله مع الله يعبد . وقد تبين لكم ، ولكل ذي لب مما يعرفون به أيضا أنه الخالق الرازق . 
ومن المفسرين من يقول : معنى قوله : ( أإله مع الله   ) [ أي : أإله مع الله ] فعل هذا . وهو يرجع إلى معنى الأول ; لأن تقدير الجواب أنهم يقولون : ليس ثم أحد فعل هذا معه ، بل هو المتفرد به . فيقال : فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير ؟ كما قال : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق   ) [ النحل : 17 ] . 
وقوله هاهنا : ( أمن خلق السموات والأرض   ) : ( أمن ) في هذه الآيات [ كلها ] تقديره : أمن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيء منها ؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر ; لأن في قوة الكلام ما يرشد إلى ذلك ، وقد قال : ( آلله خير أما يشركون   ) . 
ثم قال في آخر الآية : ( بل هم قوم يعدلون   ) أي : يجعلون لله عدلا ونظيرا . وهكذا قال تعالى : ( أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه   ) [ الزمر : 9 ] أي : أمن هو هكذا كمن ليس كذلك ؟ ولهذا قال : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب   ) [ الزمر : 9 ] ، ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين   ) [ الزمر : 22 ] وقال ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت   ) [ الرعد : 33 ] أي : أمن هو شهيد على أفعال الخلق ، حركاتهم وسكناتهم ، يعلم الغيب جليله وحقيره ، كمن هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها ؟ ولهذا قال : ( وجعلوا لله شركاء قل سموهم   ) [ الرعد : 33 ] ، وهكذا هذه الآيات الكريمات كلها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					