( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون   ( 41 ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين   ( 42 ) ) . 
قال ابن عباس  ، وعكرمة ،  والضحاك ،   والسدي ،  وغيرهم : المراد بالبر هاهنا : الفيافي ، وبالبحر : الأمصار والقرى ، وفي رواية عن ابن عباس  وعكرمة   : البحر : الأمصار والقرى ، ما كان منها على جانب نهر . 
وقال آخرون : بل المراد بالبر هو البر المعروف ، وبالبحر : البحر المعروف . 
وقال زيد بن رفيع   : ( ظهر الفساد   ) يعني انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط ، وعن البحر تعمى دوابه . رواه ابن أبي حاتم   . 
وقال : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري  ، عن سفيان ،  عن حميد بن قيس الأعرج  ، عن مجاهد   : ( ظهر الفساد في البر والبحر   ) ، قال : فساد البر : قتل ابن آدم ، وفساد البحر : أخذ السفينة غصبا . 
وقال  عطاء الخراساني   : المراد بالبر : ما فيه من المدائن والقرى ، وبالبحر : جزائره . 
 [ ص: 320 ] والقول الأول أظهر ، وعليه الأكثر ، ويؤيده ما ذكره محمد بن إسحاق  في السيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صالح ملك أيلة ،  وكتب إليه ببحره ، يعني : ببلده . 
ومعنى قوله تعالى : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس   ) أي : بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي . 
وقال أبو العالية   : من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض; لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة; ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود   :  " لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا "  . والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت ، انكف الناس - أو أكثرهم ، أو كثير منهم - عن تعاطي المحرمات ، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق البركات من السماء والأرض; ولهذا إذا نزل عيسى [ ابن مريم ]  عليه السلام ، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت ، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية ، وهو تركها - فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف ، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج  ومأجوج ،  قيل للأرض : أخرجي بركاتك . فيأكل من الرمانة الفئام من الناس ، ويستظلون بقحفها ، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس . وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير; [ ولهذا ] ثبت في الصحيح :  " إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد ، والشجر والدواب "  . 
ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل   : حدثنا محمد  والحسين  قالا حدثنا عوف ،  عن أبي قحذم  قال : وجد رجل في زمان زياد   - أو ابن زياد   - صرة فيها حب ، يعني من بر أمثال النوى ، عليه مكتوب : هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل  . 
وروى مالك ،  عن  زيد بن أسلم   : أن المراد بالفساد هاهنا الشرك . وفيه نظر . 
وقوله : ( ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون   ) أي : يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات ، اختبارا منه ، ومجازاة على صنيعهم ، ( لعلهم يرجعون   ) أي : عن المعاصي ، كما قال تعالى : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون   ) [ الأعراف : 168 ] . 
ثم قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل   ) أي : من قبلكم ، ( كان أكثرهم مشركين   ) أي : فانظروا ماذا حل بهم من تكذيب الرسل وكفر النعم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					