[ ص: 369 ]  ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون    ( 18 ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون   ( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون   ( 20 ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون   ( 21 ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون   ( 22 ) ) 
يخبر تعالى عن عدله [ وكرمه ] أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمنا بآياته متبعا لرسله ، بمن كان فاسقا ، أي : خارجا عن طاعة ربه مكذبا لرسله إليه ، كما قال تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون   ) [ الجاثية : 21 ] ، وقال تعالى : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار   ) [ ص : 28 ] ، وقال تعالى : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون   ) [ الحشر : 20 ] ; ولهذا قال تعالى هاهنا : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون   ) أي : عند الله يوم القيامة . 
وقد ذكر  عطاء بن يسار   والسدي  وغيرهما : أنها نزلت في  علي بن أبي طالب  ، وعقبة بن أبي معيط   ; ولهذا فصل حكمهم فقال : ( أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات   ) أي : صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا بمقتضاها ، وهي الصالحات ( فلهم جنات المأوى   ) أي : التي فيها المساكن والدور والغرف العالية ) نزلا ) أي : ضيافة وكرامة ( بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا   ) أي : خرجوا عن الطاعة ، ( فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها   ) كقوله : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها   ) الآية [ الحج : 22 ] . 
قال الفضيل بن عياض   : والله إن الأيدي لموثقة ، وإن الأرجل لمقيدة ، وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم . 
( وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون   ) أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا . 
وقوله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر [ لعلهم يرجعون ]   ) قال ابن عباس   : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها ، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه . وروي مثله عن أبي بن كعب  ،  وأبي العالية  ، والحسن ،   وإبراهيم النخعي  ، والضحاك ،  وعلقمة ،  وعطية ،  ومجاهد ،  وقتادة ،   وعبد الكريم الجزري  ،  وخصيف   . 
وقال ابن عباس   - في رواية عنه - : يعني به إقامة الحدود عليهم . 
وقال  البراء بن عازب  ، ومجاهد ،  وأبو عبيدة   : يعني به عذاب القبر . 
وقال  النسائي   : أخبرنا عمرو بن علي  ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي  ، عن إسرائيل  ، عن أبي  [ ص: 370 ] إسحاق  ، عن أبي الأحوص  وأبي عبيدة  ، عن عبد الله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر   ) قال : سنون أصابتهم . 
وقال  عبد الله بن الإمام أحمد   : حدثني عبد الله بن عمر القواريري  ، حدثنا يحيى بن سعيد  ، عن شعبة ،  عن قتادة ،  عن عزرة  ، عن الحسن العرني  ، عن يحيى بن الجزار  ، عن  ابن أبي ليلى  عن أبي بن كعب  في هذه الآية : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر   ) قال : المصيبات والدخان قد مضيا ، والبطشة واللزام . 
ورواه مسلم  من حديث شعبة ،  به موقوفا نحوه . وعند  البخاري  عن ابن مسعود  ، نحوه . 
وقال  عبد الله بن مسعود  أيضا ، في رواية عنه : العذاب الأدنى : ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر . وكذا قال مالك ،  عن  زيد بن أسلم   . 
قال  السدي  وغيره : لم يبق بيت بمكة  إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير ، فأصيبوا أو غرموا ، ومنهم من جمع له الأمران . 
وقوله : ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر   ) أي : لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها ، ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها ، كأنه لا يعرفها . 
قال قتادة  رحمه الله : إياكم والإعراض عن ذكر الله ، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة ، وأعوز أشد العوز ، وعظم من أعظم الذنوب . 
ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك : ( إنا من المجرمين منتقمون   ) أي : سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام . 
وقال ابن جرير   : حدثني عمران بن بكار الكلاعي  ، حدثنا  محمد بن المبارك  ، حدثنا إسماعيل بن عياش  ، حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله  ، عن  عبادة بن نسي  ، عن جنادة بن أبي أمية  عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " ثلاث من فعلهن فقد أجرم ، من عقد لواء في غير حق ، أو عق والديه ، أو مشى مع ظالم ينصره ، فقد أجرم ، يقول الله تعالى : ( إنا من المجرمين منتقمون   ) 
 [ ص: 371 ] ورواه ابن أبي حاتم  ، من حديث إسماعيل بن عياش  ، به ، وهذا حديث غريب جدا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					