القول في تأويل قوله ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    ( 128 ) ) 
قال أبو جعفر    : يعني بذلك تعالى ذكره : ليقطع طرفا من الذين كفروا ، أو يكبتهم ، أو يتوب عليهم ، أو يعذبهم ، فإنهم ظالمون ، ليس لك من الأمر شيء . 
فقوله : "أو يتوب عليهم " ، منصوب عطفا على قوله : "أو يكبتهم " . 
وقد يحتمل أن يكون تأويله : ليس لك من الأمر شيء ، حتى يتوب عليهم فيكون نصب "يتوب " بمعنى "أو " التي هي في معنى "حتى " . 
قال أبو جعفر    : والقول الأول أولى بالصواب ، لأنه لا شيء من أمر الخلق إلى أحد سوى خالقهم ، قبل توبة الكفار وعقابهم وبعد ذلك . 
وتأويل قوله : "ليس لك من الأمر شيء " ، ليس إليك ، يا محمد ،  من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري ، وتنتهي فيهم إلى طاعتي ، وإنما أمرهم إلي والقضاء فيهم بيدي دون غيري ، أقضى فيهم وأحكم بالذي أشاء ، من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري ، أو العذاب إما في عاجل الدنيا بالقتل والنقم المبيرة ، وإما في آجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي . كما : -   [ ص: 195 ] 
7804 - حدثني ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق  قال : ثم قال لمحمد  صلى الله عليه وسلم : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " ، أي : ليس لك من الحكم شيء في عبادي ، إلا ما أمرتك به فيهم ، أو أتوب عليهم برحمتي ، فإن شئت فعلت ، أو أعذبهم بذنوبهم "فإنهم ظالمون " ، أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي   . 
وذكر أن الله عز وجل إنما أنزل هذه الآية على نبيه محمد  صلى الله عليه وسلم ، لأنه لما أصابه بأحد ما أصابه من المشركين ، قال : كالآيس لهم من الهدى أو من الإنابة إلى الحق : "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم!! 
ذكر الرواية بذلك : 
7805 - حدثنا حميد بن مسعدة  قال : حدثنا بشر بن المفضل  قال : حدثنا حميد  قال : قال أنس    : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، وشج ، فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم!! فأنزلت : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " .  [ ص: 196 ] 
7806 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا ابن أبي عدي ،  عن حميد ،  عن أنس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
7807 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا هشيم ،  عن حميد الطويل ،  عن أنس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . 
7808 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي  قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ،  عن حميد الطويل ،  عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شج في جبهته وكسرت رباعيته : لا يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم! فأوحى الله إليه : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7809 - حدثني يعقوب ،  عن  ابن علية  قال : حدثنا ابن عون ،  عن الحسن    : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد    : كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم وهو   [ ص: 197 ] يدعوهم إلى الله عز وجل!! فنزلت : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7810 - حدثنا يعقوب  قال : حدثنا  ابن علية ،  عن حميد ،  عن أنس ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك . 
7811 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " ، ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ،  وقد جرح نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيب بعض رباعيته ، فقال  وسالم مولى أبي حذيفة  يغسل عن وجهه الدم : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم! فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7812 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا  يحيى بن واضح  قال : حدثنا الحسين بن واقد ،  عن مطر ،  عن قتادة  قال : أصيب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته ، وفرق حاجبه ، فوقع وعليه درعان ، والدم يسيل ، فمر به  سالم مولى أبي حذيفة ،  فأجلسه ومسح عن وجهه فأفاق وهو يقول : كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله! فأنزل الله تبارك وتعالى : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7813 - حدثت عن عمار  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، قوله : "ليس لك من الأمر شيء " الآية قال : قال الربيع بن أنس    : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ،  وقد شج رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه وأصيبت رباعيته ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم ،   [ ص: 198 ] فقال :   "كيف يفلح قوم أدموا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله وهم يدعونه إلى الشيطان ، ويدعوهم إلى الهدى ويدعونه إلى الضلالة ، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! فهم أن يدعو عليهم ، فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " ، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء عليهم . 
7814 - حدثني محمد بن سنان  قال : حدثنا أبو بكر الحنفي  قال : حدثنا عباد ،  عن الحسن  في قوله : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم    " الآية كلها ، فقال : جاء أبو سفيان  من الحول غضبان لما صنع بأصحابه يوم بدر ،  فقاتل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم أحد  قتالا شديدا ، حتى قتل منهم بعدد الأسارى يوم بدر ،  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة علم الله أنها قد خالطت غضبا : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الإسلام! فقال الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7815 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة    : أن رباعية النبي صلى الله عليه وسلم أصيبت يوم أحد ، أصابها عتبة بن أبي وقاص ،  وشجه في وجهه . وكان  سالم مولى أبي حذيفة  يغسل عن النبي صلى الله عليه وسلم الدم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : كيف يفلح قوم صنعوا بنبيهم هذا!! فأنزل الله عز وجل : " ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    " . 
7816 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن الزهري ،  وعن عثمان الجزري ،  عن مقسم    : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص  يوم أحد ،  حين كسر رباعيته ، ووثأ وجهه ،   [ ص: 199 ] فقال : "اللهم لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا! " قال : فما حال عليه الحول حتى مات كافرا   . 
7817 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  قال : قال ابن عباس    : شج النبي صلى الله عليه وسلم في فرق حاجبه ، وكسرت رباعيته   . 
قال  ابن جريج    : ذكر لنا أنه لما جرح ، جعل  سالم مولى أبي حذيفة  يغسل الدم عن وجهه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :   "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله! " . فأنزل الله عز وجل : ( ليس لك من الأمر شيء    ) 
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه دعا على قوم ، فأنزل الله عز وجل : ليس الأمر إليك فيهم . 
ذكر الرواية بذلك : 
7818 - حدثني يحيى بن حبيب بن عربي  قال : حدثنا خالد بن الحارث  قال : حدثنا محمد بن عجلان ،  عن نافع ،  عن ابن عمر    : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يدعو على أربعة نفر ، فأنزل الله عز وجل : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    ) قال : وهداهم الله للإسلام .   [ ص: 200 ] 
7819 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة  قال : حدثنا  أحمد بن بشير ،  عن عمر بن حمزة ،  عن سالم ،  عن ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم العن أبا سفيان    ! اللهم العن الحارث بن هشام    ! اللهم العن صفوان بن أمية    ! فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    )   .   [ ص: 201 ] 
7820 - حدثنا مجاهد بن موسى  قال : حدثنا يزيد  قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ،  عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ،  عن عبد الله بن كعب ،  عن  أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام  قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، فلما رفع رأسه من الركعة الثانية قال اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة  وسلمة بن هشام  والوليد بن الوليد    ! اللهم أنج المستضعفين من المسلمين! اللهم اشدد وطأتك على مضر    ! اللهم سنين كسنين آل يوسف    ! فأنزل الله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم    ) الآية .   [ ص: 202 ] 
7821 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني  يونس بن يزيد ،  عن ابن شهاب  أخبره ، عن  سعيد بن المسيب   وأبي سلمة بن عبد الرحمن    : أنهما سمعا  أبا هريرة  يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ ، في صلاة الفجر ، من القراءة ويكبر ويرفع رأسه : "سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " ثم يقول وهو قائم : "اللهم أنج  الوليد بن الوليد  وسلمة بن هشام  وعياش بن أبي ربيعة  والمستضعفين من المؤمنين! اللهم اشدد وطأتك على مضر ،  واجعلها عليهم كسني يوسف    ! اللهم العن لحيان  ورعلا  وذكوان  وعصية  عصت الله ورسوله! " . ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون    )   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					