إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ) القول في تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولقد عفا عنكم ، أيها المؤمنون ، إذ لم يستأصلكم ، إهلاكا منه جمعكم بذنوبكم وهربكم " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " . [ ص: 300 ]
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه عامة قرأة الحجاز والعراق والشام سوى : ( الحسن البصري إذ تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " . وبه القراءة عندنا ، لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به ، واستنكارهم ما خالفه .
وروي عن أنه كان يقرأه : ( إذ تصعدون ) بفتح "التاء " و "العين " . الحسن البصري
8047 - حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال : حدثنا قال : حدثنا القاسم بن سلام حجاج ، عن هارون ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .
فأما الذين قرأوا : ( تصعدون ) بضم "التاء " وكسر "العين " ، فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن القوم حين انهزموا عن عدوهم ، أخذوا في الوادي هاربين . وذكروا أن ذلك في قراءة أبي : ( إذ تصعدون في الوادي ) .
8048 - حدثنا [ بذلك ] أحمد بن يوسف قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج ، عن هارون .
قالوا : فالهرب في مستوى الأرض وبطون الأودية والشعاب : "إصعاد " ، لا صعود . قالوا وإنما يكون "الصعود " على الجبال والسلاليم والدرج ، لأن معنى "الصعود " ، الارتقاء والارتفاع على الشيء علوا . قالوا : فأما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط ، فإنما هو "إصعاد " ، كما يقال : "أصعدنا من مكة " ، إذا ابتدأت في السفر منها والخروج "وأصعدنا [ ص: 301 ] من الكوفة إلى خراسان " ، بمعنى : خرجنا منها سفرا إليها ، وابتدأنا منها الخروج إليها .
قالوا : وإنما جاء تأويل أكثر أهل التأويل ، بأن القوم أخذوا عند انهزامهم عن عدوهم في بطن الوادي .
ذكر من قال ذلك :
8049 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولا تلوون على أحد " ، ذاكم يوم أحد ، أصعدوا في الوادي فرارا ، ونبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم في أخراهم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! .
قال أبو جعفر : وأما الحسن ، فإني أراه ذهب في قراءته : "إذ تصعدون" بفتح"التاء" و"العين" ، إلى أن القوم حين انهزموا عن المشركين صعدوا الجبل . وقد قال ذلك عدد من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
8050 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن قال : لما شد المشركون على المسلمين بأحد فهزموهم ، دخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله"! فذكر الله صعودهم على الجبل ، ثم ذكر دعاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إياهم ، فقال : " السدي إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " . [ ص: 302 ]
8051 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : انحازوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يصعدون في الجبل ، والرسول يدعوهم في أخراهم .
8052 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
8053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس ، قوله : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد " ، قال صعدوا في أحد فرارا .
قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أن أولى القراءتين بالصواب ، قراءة من قرأ : "إذ تصعدون" ، بضم "التاء" وكسر "العين" ، بمعنى : السبق والهرب في مستوى الأرض ، أو في المهابط ، لإجماع الحجة على أن ذلك هو القراءة الصحيحة . ففي إجماعها على ذلك ، الدليل الواضح على أن أولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : "أصعدوا في الوادي ومضوا فيه" ، دون قول من قال : "صعدوا على الجبل" .
قال أبو جعفر : وأما قوله : " ولا تلوون على أحد " ، فإنه يعني : ولا تعطفون على أحد منكم ، ولا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا من عدوكم مصعدين في الوادي .
ويعني بقوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوكم أيها المؤمنون به من أصحابه"في أخراكم" ، يعني : أنه يناديكم من خلفكم : "إلي عباد الله ، إلي عباد الله" ! . كما : - [ ص: 303 ]
8054 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، إلي عباد الله ارجعوا ، إلي عباد الله ارجعوا! .
8055 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، رأوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم : "إلي عباد الله"!
8056 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن مثله . السدي
8057 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أنبهم الله بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وهو يدعوهم ، لا يعطفون عليه لدعائه إياهم ، فقال : "إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم " .
8058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " والرسول يدعوكم في أخراكم " ، هذا يوم أحد حين انكشف الناس عنه .