القول في تأويل قوله ( فإن آنستم منهم رشدا   )  
قال أبو جعفر   : يعني قوله : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، فإن وجدتم منهم وعرفتم ، كما : - 
8579 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثني معاوية بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس   : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، قال : عرفتم منهم . 
يقال : "آنست من فلان خيرا - وبرا" بمد الألف"إيناسا" ، و"أنست به آنس أنسا" ، بقصر ألفها ، إذا ألفه . 
وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله   : ( فإن أحسيتم منهم رشدا ) ، بمعنى : أحسستم ، أي : وجدتم . 
 [ ص: 576 ] 
واختلف أهل التأويل في معنى : "الرشد" الذي ذكره الله في هذه الآية . 
فقال بعضهم : معنى"الرشد" في هذا الموضع ، العقل والصلاح في الدين . 
ذكر من قال ذلك : 
8580 - حدثنا محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، عقولا وصلاحا . 
8581 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، يقول : صلاحا في عقله ودينه  . 
وقال آخرون : معنى ذلك : صلاحا في دينهم ، وإصلاحا لأموالهم . 
ذكر من قال ذلك : 
8582 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثني أبي ، عن مبارك ،  عن الحسن  قال : رشدا في الدين ، وصلاحا ، وحفظا للمال . 
8583 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس   : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، في حالهم ، والإصلاح في أموالهم  . 
وقال آخرون : بل ذلك العقل ، خاصة . 
ذكر من قال ذلك : 
8584 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  قال : حدثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد  قال : لا ندفع إلى اليتيم ماله وإن أخذ بلحيته ، وإن كان شيخا ، حتى يؤنس منه رشده ، العقل .  [ ص: 577 ] 
8585 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا يحيى ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد   : " آنستم منهم رشدا   " ، قال : العقل . 
8586 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا أبو شبرمة ،  عن الشعبي  قال : سمعته يقول : إن الرجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده  . 
وقال آخرون : بل هو الصلاح والعلم بما يصلحه . 
ذكر من قال ذلك : 
8587 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج   : " فإن آنستم منهم رشدا   " ، قال : صلاحا وعلما بما يصلحه . 
قال أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى"الرشد" في هذا الموضع ، العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك ، لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله ، وحوز ما في يده عنه ، وإن كان فاجرا في دينه . وإذ كان ذلك إجماعا من الجميع ، فكذلك حكمه إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه ، أو في يد حاكم قد ولي ماله لطفولته واجب عليه تسليم ماله إليه ، إذا كان عاقلا بالغا ، مصلحا لماله غير مفسد ، لأن المعنى الذي به يستحق أن يولى على ماله الذي هو في يده ، هو المعنى الذي به يستحق أن يمنع يده من ماله الذي هو في يد ولي ، فإنه لا فرق بين ذلك . 
وفي إجماعهم على أنه غير جائز حيازة ما في يده في حال صحة عقله وإصلاح  [ ص: 578 ] ما في يده ، الدليل الواضح على أنه غير جائز منع يده مما هو له في مثل ذلك الحال ، وإن كان قبل ذلك في يد غيره ، لا فرق بينهما . ومن فرق بين ذلك ، عكس عليه القول في ذلك ، وسئل الفرق بينهما من أصل أو نظير ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله . 
فإذ كان ما وصفنا من الجميع إجماعا ، فبين أن"الرشد" الذي به يستحق اليتيم ، إذا بلغ فأونس منه ، دفع ماله إليه ، ما قلنا من صحة عقله وإصلاح ماله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					