القول في تأويل قوله ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم    ) 
قال أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل   " ، ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل "وما أنزل إليهم من ربهم " ، يقول : وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقان الذي جاءهم به محمد  صلى الله عليه وسلم . 
فإن قال قائل : وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد  صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ، ونسخ بعضها بعضا؟ 
قيل : إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها ، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله ، والتصديق بما جاءت به من عند الله . فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد  صلى الله عليه وسلم : تصديقهم بما فيها ، والعمل  [ ص: 463 ] بما هي متفقة فيه ، وكل واحد منها في الحين الذي فرض العمل به . 
وأما معنى قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، فإنه يعني : لأنزل الله عليهم من السماء قطرها ، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونباتها ، فأخرج ثمارها . 
وأما قوله : " ومن تحت أرجلهم   " ، فإنه يعني تعالى ذكره : لأكلوا من بركة ما تحت أقدامهم من الأرض ، وذلك ما تخرجه الأرض من حبها ونباتها وثمارها ، وسائر ما يؤكل مما تخرجه الأرض . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
12257 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا عبد الله بن صالح  قال ، حدثني معاوية بن صالح ،  عن علي بن أبي طلحة ،  عن ابن عباس   : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم   " ، يعني : لأرسل السماء عليهم مدرارا"ومن تحت أرجلهم " ، تخرج الأرض بركتها  . 
12258 - حدثنا بشر  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة   : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، يقول : إذا لأعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها  . 
12259 - حدثنا محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط ،  عن  السدي   : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، يقول : لو عملوا بما أنزل إليهم  [ ص: 464 ] مما جاءهم به محمد  صلى الله عليه وسلم ، لأنزلنا عليهم المطر ، فلأنبت الثمر . 
12260 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم   " ، أما"إقامتهم التوراة " ، فالعمل بها وأما"ما أنزل إليهم من ربهم " ، فمحمد  صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه . يقول : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، أما"من فوقهم " ، فأرسلت عليهم مطرا ، وأما"من تحت أرجلهم " ، يقول : لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم . 
12261 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن مجاهد  قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، قال : بركات السماء والأرض قال  ابن جريج   : "لأكلوا من فوقهم " ، المطر "ومن تحت أرجلهم " ، من نبات الأرض . 
12262 - حدثني محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : " من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، يقول : لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء"ومن تحت أرجلهم " ، يقول : من الأرض  . 
وكان بعضهم يقول إنما أريد بقوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم   " ، التوسعة ، كما يقول القائل : "هو في خير من قرنه إلى قدمه" . 
وتأويل أهل التأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول ، وكفى بذلك شهيدا على فساده . 
 [ ص: 465 ] 
				
						
						
