القول في تأويل قوله تعالى : ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم   ( 29 ) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم   ( 30 ) ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين   ( 31 ) ) 
يقول تعالى ذكره : فذهب الهدهد بكتاب سليمان  إليها ، فألقاه إليها فلما قرأته قالت لقومها : ( يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم   ) . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  ، قال : ثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق  ، عن بعض أهل العلم ، عن  وهب بن منبه  ، قال : كتب - يعني سليمان بن داود   - مع الهدهد : بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن داود  ، إلى بلقيس بنت ذي سرح  وقومها ، أما بعد ، فلا تعلو علي ، وأتوني مسلمين ، قال : فأخذ الهدهد الكتاب برجله ، فانطلق به حتى أتاها ، وكانت لها كوة في بيتها إذا طلعت الشمس نظرت إليها ، فسجدت لها ، فأتى الهدهد الكوة فسدها بجناحيه حتى ارتفعت الشمس ولم تعلم ، ثم ألقى الكتاب من الكوة ، فوقع عليها في مكانها الذي هي فيه ، فأخذته . 
حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : ثنا أبو سفيان  ، عن معمر  ، عن  [ ص: 452 ] قتادة  ، قال : بلغني أنها امرأة يقال لها بلقيس  ، أحسبه قال : ابنة شراحيل  ، أحد أبويها من الجن ، مؤخر أحد قدميها كحافر الدابة ، وكانت في بيت مملكة ، وكان أولو مشورتها ثلاث مائة واثني عشر ، كل رجل منهم على عشرة آلاف ، وكانت بأرض يقال لها مأرب  ، من صنعاء  على ثلاثة أيام ; فلما جاء الهدهد بخبرها إلى سليمان بن داود  ، كتب الكتاب وبعث به مع الهدهد ، فجاء الهدهد وقد غلقت الأبواب ، وكانت تغلق أبوابها وتضع مفاتيحها تحت رأسها ، فجاء الهدهد فدخل من كوة ، فألقى الصحيفة عليها ، فقرأتها ، فإذا فيها : ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين   ) وكذلك كانت تكتب الأنبياء لا تطنب ، إنما تكتب جملا . 
قال : ثنا الحسين  ، قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال : لم يزد سليمان  على ما قص الله في كتابه إنه وإنه . 
حدثت عن الحسين  ، قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  ، قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم   ) فمضى الهدهد بالكتاب ، حتى إذا حاذى الملكة وهي على عرشها ألقى إليها الكتاب . 
وقوله : ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم   ) والملأ أشراف قومها ، يقول تعالى ذكره : قالت ملكة سبأ لأشراف قومها : ( يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم   ) . 
واختلف أهل العلم في سبب وصفها الكتاب بالكريم ، فقال بعضهم : وصفته بذلك لأنه كان مختوما . 
وقال آخرون : وصفته بذلك لأنه كان من ملك فوصفته بالكرم لكرم صاحبه . وممن قال ذلك ابن زيد   . 
حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( إني ألقي إلي كتاب كريم   ) قال : هو كتاب سليمان  حيث كتب إليها . 
وقوله ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم   ) كسرت إن الأولى والثانية على الرد على " إني " من قوله : ( إني ألقي إلي كتاب كريم   ) . ومعنى الكلام : قالت : يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب ، وإنه من سليمان   . 
وقوله ( ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين   ) يقول : ألقي إلي كتاب كريم  [ ص: 453 ] ألا تعلوا علي . 
ففي " أن " وجهان من العربية : إن جعلت بدلا من الكتاب كانت رفعا بما رفع به الكتاب بدلا منه ; وإن جعل معنى الكلام : إني ألقي إلي كتاب كريم ألا تعلوا علي كانت نصبا بتعلق الكتاب بها . 
وعنى بقوله : ( ألا تعلوا علي   ) ألا تتكبروا ولا تتعاظموا عما دعوتكم إليه . 
كما حدثني يونس  ، قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  في قوله : ( ألا تعلوا علي   ) ألا تمتنعوا من الذي دعوتكم إليه إن امتنعتم جاهدتكم ، فقلت لابن زيد   : ( ألا تعلوا علي   ) ألا تتكبروا علي ؟ قال : نعم ; قال : وقال ابن زيد   : ( ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين   ) ذلك في كتاب سليمان  إليها . وقوله : ( وأتوني مسلمين   ) يقول : وأقبلوا إلي مذعنين لله بالوحدانية والطاعة  . 
				
						
						
