القول في تأويل قوله تعالى ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا    ) 
قال أبو جعفر   : يعني تعالى ذكره بقوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن صدق اليهود  والنصارى  بالله ، وما أنزل إليكم ، وما أنزل إلى إبراهيم  وإسماعيل  وإسحاق  ويعقوب  والأسباط ، وما أوتي موسى  وعيسى  ، وما أوتي النبيون من ربهم ، وأقروا بذلك ، مثل ما صدقتم أنتم به أيها المؤمنون وأقررتم ، فقد وفقوا ورشدوا ، ولزموا طريق الحق ، واهتدوا ، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم ، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك . 
فدل تعالى ذكره بهذه الآية ، على أنه لم يقبل من أحد عملا إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدها قبلها ، كما : - 
2108 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  قال : حدثنا معاوية بن صالح  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " ونحو هذا ، قال : أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى ، وأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه  .  [ ص: 114 ] 
وقد روي عن ابن عباس  في ذلك قراءة ، جاءت مصاحف المسلمين بخلافها ، وأجمعت قرأة القرآن على تركها . وذلك ما : - 
2109 - حدثنا به  محمد بن المثنى  قال : حدثنا محمد بن جعفر  قال : حدثنا شعبة  ، عن أبي حمزة  ، قال : قال ابن عباس   : لا تقولوا : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " - فإنه ليس لله مثل - ولكن قولوا : "فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا " - أو قال : "فإن آمنوا بما آمنتم به " . 
فكأن ابن عباس   - في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه - يوجه تأويل قراءة من قرأ : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن آمنوا بمثل الله ، وبمثل ما أنزل على إبراهيم  وإسماعيل   . وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه ، شرك لا شك بالله العظيم . لأنه لا مثل لله تعالى ذكره ، فنؤمن أو نكفر به . 
ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وجه إليه تأويله . وإنما معناه ما وصفنا ، وهو : فإن صدقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به - من جميع ما عددنا عليكم من كتب الله وأنبيائه - فقد اهتدوا . فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والإقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء . كقول القائل : "مر عمرو بأخيك مثل ما مررت به " ، يعني بذلك مر عمرو بأخيك مثل مروري به . والتمثيل إنما دخل تمثيلا بين المرورين ، لا بين عمرو وبين المتكلم . فكذلك قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، إنما وقع التمثيل بين الإيمانين ، لا بين المؤمن به . 
				
						
						
