القول في تأويل قوله تعالى : ( وحملناه على ذات ألواح ودسر    ( 13 ) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر   ( 14 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : وحملنا نوحا  إذ التقى الماء على أمر قد قدر ، على سفينة ذات ألواح ودسر . والدسر : جمع دسار ، وقد يقال في واحدها : دسير ، كما  [ ص: 579 ] يقال : حبيك وحباك ; والدسار : المسمار الذي تشد به السفينة ; يقال منه : دسرت السفينة إذا شددتها بمسامير أو غيرها . 
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، أخبرني ابن لهيعة  ، عن أبي صخر  ، عن القرظي  ، وسئل عن هذه الآية ( وحملناه على ذات ألواح ودسر   ) قال : الدسر : المسامير  . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله ( وحملناه على ذات ألواح ودسر   ) حدثنا أن دسرها : مساميرها التي شدت بها  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  في قوله ( ذات ألواح   ) قال : معاريض السفينة ; قال : ودسر : قال دسرت بمسامير  . 
حدثنا يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( ودسر ) قال : الدسر : المسامير التي دسرت بها السفينة ، ضربت فيها ، شدت بها  . 
حدثني علي  قال : ثنا أبو صالح  قال : ثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قوله ( ودسر ) يقول : المسامير . 
وقال آخرون : بل الدسر : صدر السفينة ، قالوا : وإنما وصف بذلك لأنه يدفع الماء ويدسره . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال : ثنا  ابن علية  ، عن أبي رجاء  ، عن  [ ص: 580 ] الحسن  في قوله ( وحملناه على ذات ألواح ودسر   ) قال : تدسر الماء بصدرها ، أو قال : بجؤجئها  . 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قال : كان الحسن  يقول في قوله ( ودسر ) جؤجؤها تدسر به الماء  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن الحسن  أنه قال : تدسر الماء بصدرها . 
حدثني محمد بن سعد  قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله ( ودسر ) قال : الدسر : كلكل السفينة . 
وقال آخرون : الدسر : عوارض السفينة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  ، عن الحصين  ، عن مجاهد   ( ذات ألواح ودسر   ) قال : ألواح السفينة ، و " دسر " عوارضها  . 
وقال آخرون : الألواح : جانباها ، والدسر : طرفاها . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  ، يقول : ثنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله ( ذات ألواح ودسر   ) أما الألواح : فجانبا السفينة . وأما الدسر : فطرفاها وأصلاها  . 
وقال آخرون : بل الدسر : أضلاع السفينة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( ودسر ) قال : أضلاع السفينة  .  [ ص: 581 ] 
وقوله ( تجري بأعيننا   ) يقول جل ثناؤه : تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر . 
وذكر عن سفيان  في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان  في قوله ( تجري بأعيننا   ) يقول : بأمرنا ( جزاء لمن كان كفر   )  . 
اختلف أهل التأويل في تأويله : فقال بعضهم : تأويله فعلنا ذلك ثوابا لمن كان كفر فيه ، بمعنى : كفر بالله فيه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى   ; وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   ( جزاء لمن كان كفر   ) قال : كفر بالله  . 
وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   ( جزاء لمن كان كفر   ) قال : لمن كان كفر فيه  . 
ووجه آخرون معنى ( من ) إلى معنى ( ما ) في هذا الموضع ، وقالوا : معنى الكلام : جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أهلكهم وغرقهم من قوم نوح .  
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( جزاء لمن كان كفر   ) قال : لمن كان كفر نعم الله ، وكفر بأياديه وآلائه ورسله وكتبه ، فإن ذلك جزاء له  . 
والصواب من القول من ذلك عندي ما قاله مجاهد  ، وهو أن معناه : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ، وفجرنا الأرض عيونا ، فغرقنا قوم نوح  ، ونجينا نوحا  عقابا من الله وثوابا للذي جحد وكفر ، لأن معنى الكفر   : الجحود ، والذي جحد ألوهته ووحدانيته قوم نوح  ، فقال بعضهم لبعض :  [ ص: 582 ]  " لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " ومن ذهب به إلى هذا التأويل كانت من الله ، كأنه قيل : عوقبوا لله ولكفرهم به . ولو وجه موجه إلى أنها مراد بها نوح  والمؤمنون به كان مذهبا ، فيكون معنى الكلام حينئذ ، فعلنا ذلك جزاء لنوح ولمن كان معه في الفلك ، كأنه قيل : غرقناهم لنوح  ولصنيعهم بنوح  ما صنعوا من كفرهم به . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					