القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد تركناها آية فهل من مدكر    ( 15 ) فكيف كان عذابي ونذر   ( 16 ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر   ( 17 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - : ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحا  ومن كان معه آية ، يعني عبرة وعظة لمن بعد قوم نوح  من الأمم  ليعتبروا ويتعظوا ، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله ، وتكذيب رسله ، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله ( ولقد تركناها آية فهل من مدكر   ) قال : أبقاها الله بباقردى من أرض الجزيرة  ، عبرة وآية ، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة نظرا ، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا  . 
حدثنا ابن عبد الأعلى  قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  في قوله ( ولقد تركناها آية   ) قال : ألقى الله سفينة نوح  على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة  . 
قال : ثنا ابن ثور  ، عن معمر  ، عن مجاهد  ، أن الله حين غرق الأرض ،  [ ص: 583 ] جعلت الجبال تشمخ ، فتواضع الجودي ، فرفعه الله على الجبال ، وجعل قرار السفينة عليه . 
وقوله ( فهل من مدكر   ) يقول : فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الأمة التي كفرت بربها ، وعصت رسوله نوحا  ، وكذبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة ، فيعتبر بهم ، ويحذر أن يحل به من عذاب الله بكفره بربه ، وتكذيبه رسوله محمدا   - صلى الله عليه وسلم - ، مثل الذي حل بهم ، فينيب إلى التوبة ، ويراجع الطاعة . وأصل " مدكر " : مفتعل من " ذكر " ، اجتمعت فاء الفعل ، وهي ذال ، وتاء وهي بعد الذال ، فصيرتا دالا مشددة ، وكذلك تفعل العرب فيما كان أوله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعا دالا مشددة ، فيقولون : ادكرت ادكارا ، وإنما هو اذتكرت اذتكارا ، " وفهل من مذتكر " ، ولكن قيل : ادكرت ومدكر لما قد وصفت ، قد ذكر عن بعض بني أسد  أنهم يقولون في ذلك " مذكر " ، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالا مشددة ، وذكر عن الأسود بن يزيد  أنه قال : قلت  لعبد الله بن مسعود   : فهل من مدكر ، أو مذكر ، فقال : أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مذكر " يعنى بذال مشددة  . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( فهل من مدكر   ) قال : المدكر : الذي يتذكر ، وفي كلام العرب : المذكر : المتذكر  . 
حدثنا ابن حميد  قال : ثنا مهران  ، عن سفيان   ( فهل من مدكر   ) قال : فهل من مذكر  . 
وقوله ( فكيف كان عذابي ونذر   ) يقول - تعالى ذكره - : فكيف كان عذابي لهؤلاء الذين كفروا بربهم من قوم نوح  ، وكذبوا رسوله نوحا  ، إذ تمادوا في غيهم وضلالهم ، وكيف كان إنذاري بما فعلت بهم من العقوبة التي أحللت بهم بكفرهم بربهم ، وتكذيبهم رسوله نوحا  ، صلوات الله عليه ، وهو إنذار لمن كفر من  [ ص: 584 ] قومه من قريش  ، وتحذير منه لهم ، أن يحل بهم على تماديهم في غيهم ، مثل الذي حل بقوم نوح  من العذاب . 
وقوله ( ونذر ) يعني : وإنذاري ، وهو مصدر . 
وقوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر   ) يقول - تعالى ذكره - : ولقد سهلنا القرآن ، بيناه وفصلناه للذكر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ ، وهوناه . 
كما حدثنا محمد بن عمرو  قال : ثنا أبو عاصم  قال : ثنا عيسى  ، وحدثني الحارث  قال : ثنا الحسن  قال : ثنا ورقاء  جميعا ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  قوله ( يسرنا القرآن للذكر   ) قال : هوناه  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر   ) قال : يسرنا : بينا  . 
وقوله ( فهل من مدكر   ) يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر . 
وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيعان عليه ، وذلك قريب المعنى مما قلناه ، ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله ، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر   ) يقول : فهل من طالب خير يعان عليه  . 
حدثنا الحسين بن علي الصدائي  قال : ثنا يعقوب  قال : ثني الحارث بن عبيد الإيادي  قال : سمعت قتادة  يقول في قول الله ( فهل من مدكر   ) قال : هل من طالب خير يعان عليه  . 
حدثنا علي بن سهل  قال : ثنا ضمرة بن ربيعة  أو أيوب بن سويد  أو كلاهما ، عن ابن شوذب  ، عن مطر  في قوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر   )  [ ص: 585 ] قال : هل من طالب علم فيعان عليه  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					