[ ص: 528 ]  [ ص: 529 ]  [ ص: 530 ]  [ ص: 531 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر    ( 1 ) وما أدراك ما ليلة القدر   ( 2 ) ليلة القدر خير من ألف شهر   ( 3 ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر   ( 4 ) سلام هي حتى مطلع الفجر   ( 5 ) ) . 
يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وهي ليلة الحكم التي يقضي الله فيها قضاء السنة ; وهو مصدر من قولهم : قدر الله علي هذا الأمر ، فهو يقدر قدرا . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا  ابن المثنى ،  قال : ثني عبد الأعلى ،  قال : ثنا داود ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  قال : نزل القرآن كله مرة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه  . 
حدثنا  ابن المثنى  قال : ثنا عبد الوهاب ،  قال : ثنا داود ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر   )  . 
قال : ثنا ابن أبي عدي ،  عن داود ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس ،  فذكر نحوه ، وزاد فيه . وكان بين أوله وآخره عشرون سنة . 
قال ثنا  عمرو بن عاصم الكلابي ،  قال : ثنا المعتمر بن سليمان التيمي ،  قال : ثنا عمران أبو العوام ،  قال : ثنا  داود بن أبي هند ،  عن الشعبي ،  أنه قال في قول الله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر   ) قال : نزل أول القرآن في ليلة القدر  .  [ ص: 532 ] 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا هشيم ،  قال : أخبرنا حصين ،  عن حكيم بن جبير ،  عن ابن عباس ،  قال : نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فرق في السنين ، وتلا ابن عباس  هذه الآية : ( فلا أقسم بمواقع النجوم   ) قال : نزل متفرقا  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن داود ،  عن الشعبي ،  في قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر   ) قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا  . 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن سلمة بن كهيل ،  عن مسلم ،  عن سعيد بن جبير   : أنزل القرآن جملة واحدة ، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر : ( فيها يفرق كل أمر حكيم   )  . 
قال : ثنا جرير ،  عن منصور ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس ،  في قوله ( إنا أنزلناه في ليلة القدر   ) قال : أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا  ، فكان بموقع النجوم ، فكان الله ينزله على رسوله ، بعضه في أثر بعض ، ثم قرأ : ( وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا   )  . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( ليلة القدر   ) : ليلة الحكم  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( إنا أنزلناه في ليلة القدر   ) قال : ليلة الحكم  . 
ثنا  وكيع   . عن سفيان ،  عن محمد بن سوقة ،  عن سعيد بن جبير   : يؤذن للحجاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يزاد فيهم ، ولا ينقص منهم  . 
حدثني يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  قال : ثنا ربيعة بن كلثوم ،  قال : قال رجل للحسن  وأنا أسمع : رأيت ليلة القدر في كل رمضان هي ؛ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان ، وإنها لليلة القدر ، ( فيها يفرق كل أمر حكيم   )  [ ص: 533 ] فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق ، إلى مثلها  . 
حدثنا أبو كريب   . قال : ثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن أبي إسحاق ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عمر  ، قال : ليلة القدر في كل رمضان  . 
وقوله : ( وما أدراك ما ليلة القدر   ) يقول : وما أشعرك يا محمد  أي شيء ليلة القدر خير من ألف شهر . 
اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : العمل في ليلة القدر  بما يرضي الله ، خير من العمل في غيرها ألف شهر . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا مهران ،  عن سفيان ،  قال : بلغني عن مجاهد   ( ليلة القدر خير من ألف شهر   ) قال : عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر  . 
قال : ثنا الحكم بن بشير ،  قال : ثنا  عمرو بن قيس الملائي ،  قوله : ( خير من ألف شهر   ) قال : عمل فيها خير من عمل ألف شهر  . 
وقال آخرون : معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر   . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( خير من ألف شهر   ) ليس فيها ليلة القدر . 
وقال آخرون في ذلك : ما حدثنا ابن حميد ،  قال : ثنا  حكام بن سلم ،  عن المثنى بن الصباح ،  عن مجاهد  قال : كان في بني إسرائيل  رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية : ( ليلة القدر خير من ألف شهر   ) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل  . 
وقال آخرون في ذلك : ما حدثني أبو الخطاب الجارودي سهيل ،  قال : ثنا سلم بن قتيبة ،  قال : ثنا القاسم بن الفضل ،  عن عيسى بن مازن ،  قال : قلت  للحسن بن علي  رضي الله عنه : يا مسود وجوه المؤمنين ، عمدت إلى هذا الرجل ، فبايعت له ، يعني  معاوية بن أبي سفيان ،  فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري في منامه بني أمية  يعلون منبره خليفة خليفة ، فشق ذلك عليه ، فأنزل الله : ( إنا أعطيناك الكوثر   ) و ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر   ) يعني ملك  [ ص: 534 ] بني أمية ;  قال القاسم   : فحسبنا ملك بني أمية ،  فإذا هو ألف شهر  . 
وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال : عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر . وأما الأقوال الأخر ، فدعاوى معان باطلة ، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل ، ولا هي موجودة في التنزيل . 
وقوله : ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر   ) 
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تنزل الملائكة وجبريل  معهم ، وهو الروح في ليلة القدر ( بإذن ربهم من كل أمر   ) يعني بإذن ربهم ، من كل أمر قضاه الله في تلك السنة ، من رزق وأجل وغير ذلك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : ( من كل أمر   ) قال : يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها  . 
فعلى هذا القول منتهى الخبر ، وموضع الوقف من كل أمر . 
وقال آخرون : ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم   ) لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثت عن  يحيى بن زياد الفراء ،  قال : ثني أبو بكر بن عياش ،  عن الكلبي ،  عن أبي صالح ،  عن ابن عباس   : أنه كان يقرأ : " من كل امرئ سلام " وهذه القراءة من قرأ بها وجه معنى من كل امرئ : من كل ملك ; كان معناه عنده : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل ملك يسلم على المؤمنين والمؤمنات ; ولا أرى القراءة بها جائزة ، لإجماع الحجة من القراء على خلافها ، وأنها خلاف لما في مصاحف المسلمين ، وذلك أنه ليس في مصحف من مصاحف المسلمين في قوله " أمر " ياء ، وإذا قرئت : ( من كل امرئ ) لحقتها همزة ، تصير في الخط ياء . 
والصواب من القول في ذلك : القول الأول الذي ذكرناه قبل ، على ما تأوله قتادة   . 
وقوله : ( سلام هي حتى مطلع الفجر   ) سلام ليلة القدر من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .  [ ص: 535 ] 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا ابن عبد الأعلى ،  قال : ثنا ابن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( سلام هي   ) قال : خير ( حتى مطلع الفجر   )  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( من كل أمر سلام   ) أي : هي خير كلها إلى مطلع الفجر  . 
حدثنا أبو كريب ،  قال : ثنا  وكيع ،  عن إسرائيل ،  عن جابر ،  عن مجاهد   ( سلام هي حتى مطلع الفجر   ) قال : من كل أمر سلام  . 
حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد ،  في قول الله : ( سلام هي   ) قال : ليس فيها شيء ، هي خير كلها ( حتى مطلع الفجر   )  . 
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ،  قال : ثنا  عبد الحميد الحماني ،  عن الأعمش ،  عن المنهال ،  عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  في قوله : ( من كل أمر سلام هي   ) قال : لا يحدث فيها أمر  . 
وعني بقوله : ( حتى مطلع الفجر   ) : إلى مطلع الفجر . 
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( حتى مطلع الفجر   ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ، سوى يحيى بن وثاب   والأعمش   والكسائي   ( مطلع الفجر   ) بفتح اللام ، بمعنى : حتى طلوع الفجر ; تقول العرب : طلعت الشمس طلوعا ومطلعا . وقرأ ذلك يحيى بن وثاب   والأعمش   والكسائي   : ( حتى مطلع الفجر   ) بكسر اللام ، توجيها منهم ذلك إلى الاكتفاء بالاسم من المصدر ، وهم ينوون بذلك المصدر . 
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : فتح اللام لصحة معناه في العربية ، وذلك أن المطلع بالفتح هو الطلوع ، والمطلع بالكسر : هو الموضع الذي تطلع منه ، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع . 
آخر تفسير سورة القدر 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					