القول في تأويل قوله تعالى ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار    ( 201 ) ) 
قال أبو جعفر    : اختلف أهل التأويل في معنى"الحسنة" التي ذكر الله في هذا الموضع . 
فقال بعضهم . يعني بذلك : ومن الناس من يقول : ربنا أعطنا عافية في الدنيا وعافية في الآخرة . 
ذكر من قال ذلك : 
3876 - حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة  في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة    " ، قال : في الدنيا عافية ، وفي الآخرة عافية   . قال قتادة    : وقال رجل : " اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا" ، فمرض مرضا حتى أضنى على فراشه ، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم شأنه ، فأتاه النبي عليه السلام ، فقيل له : إنه دعا بكذا وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إنه لا طاقة لأحد بعقوبة الله ، ولكن قل : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار    " . فقالها ، فما لبث إلا أياما أو : يسيرا حتى برئ   .   [ ص: 204 ] 
3877 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا سعيد بن الحكم ،  قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ،  قال : حدثني حميد ،  قال : سمعت أنس بن مالك  يقول : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد صار مثل الفرخ المنتوف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كنت تدعو الله بشيء؟ - أو تسأل الله شيئا؟ قال : قلت : "اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعاقبني به في الدنيا!" . قال : " سبحان الله! هل يستطيع ذلك أحد أو يطيقه؟ فهلا قلت : " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ " . 
وقال آخرون : بل عنى الله عز وجل ب "الحسنة" - في هذا الموضع - في الدنيا ، العلم والعبادة ، وفي الآخرة : الجنة . 
ذكر من قال ذلك :   [ ص: 205 ] 
3878 - حدثنا القاسم ،  قال : حدثنا الحسين ،  قال : حدثنا عباد ،  عن  هشام بن حسان ،  عن الحسن    : " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة    " ، قال : الحسنة في الدنيا : العلم والعبادة ، وفي الآخرة : الجنة   . 
3879 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا  عمرو بن عون ،  قال : حدثنا هشيم ،  عن سفيان بن حسين ،  عن الحسن  في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار    " ، قال : العبادة في الدنيا ، والجنة في الآخرة   . 
3880 - حدثني المثنى ،  قال : حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار ،  قال : حدثنا عباد بن العوام ،  عن هشام ،  عن الحسن  في قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة    " ، قال : الحسنة في الدنيا : الفهم في كتاب الله والعلم   . 
3881 - حدثني يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : سمعت  سفيان الثوري  يقول [ في ] هذه الآية : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة    " ، قال : الحسنة في الدنيا : العلم والرزق الطيب ، "وفي الآخرة حسنة" الجنة   . 
وقال آخرون : "الحسنة" في الدنيا : المال ، وفي الآخرة : الجنة . 
ذكر من قال ذلك : 
3882 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : قال ابن زيد    : " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار    " ، قال : فهؤلاء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون   . 
3883 - حدثني موسى بن هارون ،  قال : حدثنا عمرو ،  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي    " ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة    " ، هؤلاء المؤمنون; أما حسنة الدنيا فالمال ، وأما حسنة الآخرة فالجنة   . 
قال أبو جعفر    : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيمان به وبرسوله ، ممن حج بيته ، يسألون ربهم   [ ص: 206 ] الحسنة في الدنيا ، والحسنة في الآخرة ، وأن يقيهم عذاب النار . وقد تجمع "الحسنة" من الله عز وجل العافية في الجسم والمعاش والرزق وغير ذلك ، والعلم والعبادة . 
وأما في الآخرة ، فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذ فقد حرم جميع الحسنات ، وفارق جميع معاني العافية . 
وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات بالآية ؛ لأن الله عز وجل لم يخصص بقوله - مخبرا عن قائل ذلك - من معاني"الحسنة" شيئا ، ولا نصب على خصوصه دلالة دالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض ، فالواجب من القول فيه ما قلنا من أنه لا يجوز أن يخص من معاني ذلك شيء ، وأن يحكم له بعمومه على ما عمه الله . 
وأما قوله : " وقنا عذاب النار" ، فإنه يعني بذلك : اصرف عنا عذاب النار . 
ويقال منه : "وقيته كذا أقيه وقاية ووقاية ووقاء" ، ممدودا ، وربما قالوا : " وقاك الله وقيا" ، إذا دفعت عنه أذى أو مكروها . 
				
						
						
