( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم    ( 14 ) ) 
قوله - عز وجل - : ( قالت الأعراب آمنا    ) الآية ، نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة  قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنة جدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر ، فأفسدوا طرق المدينة  بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، يمنون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويريدون الصدقة ، ويقولون : أعطنا ، فأنزل الله فيهم هذه الآية .   [ ص: 350 ] 
وقال  السدي    : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح ، وهم أعراب جهينة  ومزينة  وأسلم  وأشجع  وغفار  ، كانوا يقولون : آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى الحديبية  تخلفوا ، فأنزل الله - عز وجل - " قالت الأعراب آمنا " صدقنا . 
( قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا    ) انقدنا واستسلمنا مخافة القتل والسبي ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم    ) فأخبر أن حقيقة الإيمان  التصديق بالقلب ، وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص . 
أخبرنا عبد الواحد المليحي  ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي  ، أخبرنا محمد بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن إسماعيل  ، حدثنا محمد بن غرير الزهري  ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم  ، عن أبيه ، عن صالح  ، عن ابن شهاب  ، أخبرني عامر بن سعد  ، عن أبيه قال : أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطا وأنا جالس فيهم ، قال : فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إلي ، فقمت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ فساررته ] ، فقلت : ما لك عن فلان ؟ والله إني لأراه مؤمنا ، قال : أو مسلما ، قال : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا ؟ قال : أو مسلما ، قال : " إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه " . 
فالإسلام هو الدخول في السلم وهو الانقياد والطاعة  ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان ، والأبدان والجنان ، كقوله - عز وجل - لإبراهيم  عليه السلام : " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " ( البقرة - 131 ) ، ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب ، وذلك قوله : ( ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم    ) . 
( وإن تطيعوا الله ورسوله    ) ظاهرا وباطنا سرا وعلانية . قال ابن عباس  تخلصوا الإيمان ( لا يلتكم ) قرأ أبو عمرو    " يألتكم " بالألف لقوله تعالى : " وما ألتناهم " ( الطور - 21 ) والآخرون بغير ألف ، وهما لغتان ، معناهما : لا ينقصكم ، يقال : ألت يألت ألتا ولات يليت ليتا إذا نقص ،   [ ص: 351 ]   ( من أعمالكم شيئا    ) أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئا ( إن الله غفور رحيم ) . 
				
						
						
