الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          76 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( إن الله لا يقبل صلاة أحدكم ) قال القاري في المرقاة أي قبول إجابة وإثابة [ ص: 209 ] بخلاف المبسل والآبق ، فإن صلاتهما لا تقبل أيضا لكنها لا تقبل بترك الإثابة وتقبل إجابة فلا يرد ما قيل من أنه لا يلزم من عدم القبول عدم الجواز والصحة مع أن الطهارة شرط الصحة . انتهى ، وقال الحافظ في فتح الباري : والمراد بالقبول هاهنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء ، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا .

                                                                                                          وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول : " لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا " قاله ابن عمر ، قال لأن الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين . انتهى . ( إذا أحدث ) أي صار ذا حدث قبل الصلاة أو في أثنائها ( حتى يتوضأ ) أي بالماء أو ما يقوم مقامه ، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة كذا في فتح الباري .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وأبي سعيد ) أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه الشيخان وغيرهما ، ففي صحيح البخاري عن عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا قال الحافظ في الفتح : قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة . انتهى .

                                                                                                          وأما حديث علي بن طلق فأخرجه أبو داود والترمذي .

                                                                                                          وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ .

                                                                                                          قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه محمد بن إسحاق وقد قال حدثني هشام [ ص: 210 ] بن عروة .

                                                                                                          وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه في صلاته أنه أحدث ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح . انتهى .

                                                                                                          وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيمد شعره من دبره فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ورواه ابن ماجه باختصار وفيه علي بن زيد واختلف في الاحتجاج به ، كذا في مجمع الزوائد .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) كذا في النسخ الموجودة وهو تكرار .

                                                                                                          قوله : ( وقال ) أي ابن المبارك ( إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء وهو قول الشافعي وإسحاق ) وقال أصحاب أبي حنيفة خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء . قال القاري في المرقاة : توجيه قول الحنفية أنه نادر فلا يشمله النص كذا قيل .

                                                                                                          والصحيح ما قاله ابن الهمام من أن الريح الخارج من الذكر اختلاج لا ريح فلا ينقض كالريح الخارجة من جراحة في البطن . انتهى .

                                                                                                          وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية : اتفق أصحابنا على أن الريح الخارجة من الدبر ناقضة ، واختلفوا في الخارجة من الذكر وقبل المرأة ، فروى القدوري عن محمد أنه يوجب الوضوء وبه أخذ بعض المشايخ ، وقال أبو الحسن : لا وضوء فيهما إلا أن تكون المرأة مفضاة ، والمفضاة هي التي اختلط سبيلاها القبل والدبر ، وقيل مسلك البول والحيض فيستحب لها الوضوء ، وكان الشيخ أبو حفص الكبير يقول إذا كانت المرأة مفضاة [ ص: 211 ] يجب عليها الوضوء وإن لم تكن مفضاة لا يجب ، وهكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد ، ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا كذا في الذخيرة ، وبه علمت أن الاختلاف في الريح الخارجة منهما على قولين :

                                                                                                          الأول : أنه يوجب الوضوء ، ودليله عموم ما ورد في الحديث إن الحدث ما خرج من أحد السبيلين ، فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب . وبه قال الشافعي كذا في البناية .

                                                                                                          والثاني : أنه لا يوجب ، وإليه مال صاحب الهداية وعلل بأنها لا تنبعث عن محل النجاسة وهو مبني على أن عين الريح ليست بنجسة وإنما يتنجس بمرورها على محل النجاسة وهذا لا يتمشى على قول من قال من المشايخ بتنجس عين الريح .

                                                                                                          والأولى في التعليل ما ذكره غيره أنها اختلاج لا ريح وليس بشيء خارج ، لكن هذا أيضا قاصر فإنه لا يتمشى في ما إذا وجدت النتن أو سمعت الصوت من القبل أو الذكر فإن هناك لا شك في خروج شيء .

                                                                                                          وممن اختار هذا القول قاضي خان في فتاواه ، وصاحب مراقي الفلاح وقال هو الأصح لأنه اختلاج لا ريح وإن كان ريحا فلا نجاسة فيه وريح الدبر ناقضة لمرورها بالنجاسة وصاحب التنوير وصاحب الدر المختار وغيرهم من المتأخرين . ولا يخفى عليك أن الموافق للأحاديث هو القول الأول فليكن هو المعول . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية