الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          820 وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان حدثنا بذلك قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بهذا قال أبو عيسى وقال الثوري إن أفردت الحج فحسن وإن قرنت فحسن وإن تمتعت فحسن وقال الشافعي مثله وقال أحب إلينا الإفراد ثم التمتع ثم القران

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وروي عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج إلخ ) لهذا الحديث دليل لمن قال إن الإفراد أفضل من القران والتمتع .

                                                                                                          اعلم أنه قد اختلف في حجه -صلى الله عليه وسلم- هل كان قرانا أو تمتعا أو إفرادا؟ وقد اختلفت الأحاديث في ذلك ، فروي عن عدة من الصحابة أنه حج إفرادا كما عرفت ، وروي عن جماعة منهم أنه حج قرانا ، وروي عن طائفة منهم أنه حج تمتعا كما ستعرف ، وقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف الأحاديث ، فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال : إن كان أضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه -صلى الله عليه وسلم- أفرد الحج . وكذا قال عياض وزاد فقال : وأما إحرامه فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا ، وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به ؛ لأنه صرح بقوله : " ولولا أن معي الهدي لأحللت " فصح أنه لم [ ص: 467 ] يتحلل ، وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله ؛ لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي ، وقيل قل عمرة في حجة .

                                                                                                          قال الحافظ : هذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ، ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره . ومحصله أن كل من روى عنه الإفراد حمل على ما أهل به في أول الحال ، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه ، وكل من روى عنه القران ، أراد ما استقر عليه الأمر ، وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله : إن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه -صلى الله عليه وسلم- حج تمتعا ، وكل من روى الإفراد قد روى أنه -صلى الله عليه وسلم- حج تمتعا وقرانا ، فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منها ، وأتى بالعمرة . ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا ، وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه ، وهي جوابات طويلة أكثرها متعسفة . وأرود كل منهم لما اختاره مرجحات ، أقواها وأولاها مرجحات القران ، لا يقاومها شيء من مرجحات غيره . وقد ذكر صاحب الهدي مرجحات كثيرة ، ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والإفراد ، لا باعتبار أنه -صلى الله عليه وسلم- حج قارنا ، وهو بحث آخر ، كذا في النيل .

                                                                                                          قوله : ( وقال الثوري : إن أفردت الحج فحسن ، وإن قرنت فحسن ، وإن تمتعت فحسن ) الظاهر من كلام الثوري هذا ، أن الأنواع الثلاثة عنده سواء ، لا فضيلة لبعضها على بعض قال الحافظ في الفتح : حكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة في الفضل سواء ، وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقال الشافعي مثله وقال : أحب إلينا الإفراد ثم التمتع ثم القران ) وعند الحنفية القران أفضل من التمتع . والإفراد والتمتع أفضل من الإفراد ، قال الحافظ في الفتح : ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه -صلى الله عليه وسلم- تمناه ، فقال : " لولا أني سقت الهدي لأحللت " ، ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد بن حنبل في المشهور عنه وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ، وإلا فالأفضل ما اختاره الله له [ ص: 468 ] واستمر عليه . وقال ابن قدامة : يترجح التمتع بأن الذي يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في إجزائها عن عمرة الإسلام ، بخلاف عمرة التمتع ، فهي مجزئة بلا خلاف ، فيترجح التمتع على الإفراد ويليه القران . وقال من رجح القران هو أشق من التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف ، فيكون أفضل منهما . وعن أبي يوسف : القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الإفراد وعن أحمد : من ساق الهدي فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه ، كذا في فتح الباري .




                                                                                                          الخدمات العلمية