الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1246 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما هذا حديث صحيح وهكذا روي عن أبي برزة الأسلمي أن رجلين اختصما إليه في فرس بعد ما تبايعا وكانوا في سفينة فقال لا أراكما افترقتما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وقد ذهب بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم إلى أن الفرقة بالكلام وهو قول سفيان الثوري وهكذا روي عن مالك بن أنس وروي عن ابن المبارك أنه قال كيف أرد هذا والحديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح وقوى هذا المذهب ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إلا بيع الخيار معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع فإذا خيره فاختار البيع فليس له خيار بعد ذلك في فسخ البيع وإن لم يتفرقا هكذا فسره الشافعي وغيره ومما يقوي قول من يقول الفرقة بالأبدان لا بالكلام حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن حكيم بن حزام ) بكسر مهملة فزاي ( فإن صدقا ) أي : في صفة البيع والثمن ، وما يتعلق بهما ( وبينا ) أي : عيب الثمن والمبيع ( بورك ) أي : كثر النفع ( لهما في بيعهما ) أي : وشرائهما ، أو المراد في عقدهما ( محقت ) بصيغة المجهول أي : أزيلت وذهبت ( بركة بيعهما ) قال الحافظ : يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته ، وإن كان الصادق مأجورا والكاذب مأزورا ، ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس والعيب دون الآخر ورجحه ابن أبي جمرة . انتهى . قوله : ( وهذا حديث صحيح ) وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي ، وأحمد . قوله : ( وفي الباب عن أبي برزة ) أخرجه أبو داود والطحاوي ، وغيرهما بلفظ : أن رجلين اختصما إليه في فرس بعد ما تبايعا ، وكانا في سفينة . فقال لا أراكما افترقتما ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ( وعبد الله بن عمرو ) وأخرجه الترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، وأحمد . ( وسمرة ) أخرجه النسائي ( وأبي هريرة ) أخرجه أبو داود ( وابن عباس ) أخرجه ابن حبان والحاكم ، والبيهقي ، وفي الباب أيضا عن جابر أخرجه البزار والحاكم ، وصححه . قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان . قوله : ( وهو قول الشافعي ، وأحمد وإسحاق وقالوا الفرقة بالأبدان لا بالكلام ) وبه قال ابن عمر وأبو برزة الأسلمي ، قال الحافظ في الفتح : ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة . انتهى ، وهو قول شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة ، وعن [ ص: 376 ] الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج ، وغيرهم ، وبالغ ابن حزم فقال : لا نعلم لهم مخالفا من التابعين إلا النخعي وحده ، ورواية مكذوبة عن شريح ، والصحيح عنه القول به ، كذا في فتح الباري . قلت : هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه ، وقد اعترف صاحب التعليق الممجد من الحنفية بأنه أولى الأقوال ، حيث قال : ولعل المنصف الغير المتعصب يستيقن بعد إحاطة الكلام من الجوانب في هذا البحث أن أولى الأقوال هو ما فهمه الصحابيان الجليلان ، يعني : ابن عمر وأبا برزة الأسلمي رضي الله عنهما ، وفهم الصحابي إن لم يكن حجة لكنه أولى من فهم غيره بلا شبهة ، وإن كان كل من الأقوال مستندا إلى حجة . انتهى كلامه . ( وقد قال بعض أهل العلم : معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يتفرقا يعني : الفرقة بالكلام ) وهو قول إبراهيم النخعي ، وبه قال المالكية إلا ابن حبيب ، والحنفية كلهم ، قال ابن حزم : لا نعلم لهم سلفا إلا إبراهيم وحده ، ورواية مكذوبة عن شريح ، والصحيح عنه القول به : قال الإمام محمد في موطئه : وتفسيره عندنا على ما بلغنا عن إبراهيم النخعي أنه قال : المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا عن منطق البيع إذا قال البائع : قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل الآخر : قد اشتريت ، وإذا قال المشتري : قد اشتريت بكذا وكذا له أن يرجع عن قوله : اشتريت ، ما لم يقل البائع قد بعت ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا . انتهى ما في الموطإ ، وقد أطال صاحب التعليق الممجد هاهنا الكلام ، وأجاد وأجاب عن كل ما تمسك به الحنفية فعليك أن ترجع إليه .

                                                                                                          ( ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : إلا بيع الخيار معناه : أن يخير البائع المشتري بعد [ ص: 377 ] إيجاب البيع . فإذا خيره فاختار البيع إلخ ) قد اختلف العلماء في المراد بقوله : إلا بيع الخيار . فقال الجمهور وبه جزم الشافعي : هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق ، والمراد أنهما إن اختارا إمضاء البيع قبل التفرق ، فقد لزم البيع حينئذ ، وبطل اعتبار التفرق ، فالتقدير إلا البيع الذي جرى فيه التخاير ، قال النووي : اتفق أصحابنا على ترجيح هذا التأويل ، وأبطل كثير منهم ما سواه ، وغلطوا قائله ، ورواية الليث ظاهرة جدا في ترجيحه ، قيل : هو استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق ، وقيل المراد بقوله : أو يخير أحدهما الآخر أي : فيشترطا الخيار مدة معينة ، فلا ينقضي الخيار بالتفرق ، بل يبقى حتى تمضي المدة . حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار ، وفيه أقوال أخرى ذكرها الحافظ في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية