الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1728 حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا في جلود الميتة إذا دبغت فقد طهرت قال أبو عيسى قال الشافعي أيما إهاب ميتة دبغ فقد طهر إلا الكلب والخنزير واحتج بهذا الحديث وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إنهم كرهوا جلود السباع وإن دبغ وهو قول عبد الله بن المبارك وأحمد وإسحق وشددوا في لبسها والصلاة فيها قال إسحق بن إبراهيم إنما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر جلد ما يؤكل لحمه هكذا فسره النضر بن شميل وقال إسحق قال النضر بن شميل إنما يقال الإهاب لجلد ما يؤكل لحمه قال أبو عيسى وفي الباب عن سلمة بن المحبق وميمونة وعائشة وحديثابن عباس حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا وروي عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه عن سودة وسمعت محمدا يصحح حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عباس عن ميمونة وقال احتمل أن يكون روى ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن ميمونة قال أبو عيسى والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق [ ص: 327 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 327 ] قوله : ( وعن عبد الرحمن بن وعلة ) بفتح الواو وسكون المهملة المصري صدوق ( أيما إهاب ) ككتاب الجلد أو ما لم يدبغ قاله في القاموس : وفي الصحاح الإهاب الجلد ما لم يدبغ ( دبغ ) بصيغة المجهول صفة الإهاب ، والدباغ بكسر الدال عبارة عن إزالة الرائحة الكريهة والرطوبات النجسة باستعمال الأدوية أو بغيرها . وقد أخرجه الإمام محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال : كل شيء يمنع الجلد من الفساد فهو دباغ ( فقد طهر ) أي ظاهره وباطنه ، ويجوز استعماله في الأشياء اليابسة والمائعة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه ( وقال الشافعي : أيما إهاب دبغ فقد طهر إلا الكلب والخنزير ) استدل الشافعي على استثناء الخنزير بقوله تعالى : فإنه رجس وجعل الضمير عائدا إلى المضاف إليه وقاس الكلب عليه بجامع النجاسة ، قال : لأنه لا جلد له . قال الشوكاني متعقبا على الإمام الشافعي ما لفظه : واحتجاج الشافعي بالآية على إخراج الخنزير وقياس الكلب عليه لا يتم إلا بعد تسليم أن الضمير يعود إلى المضاف إليه دون المضاف ، وأنه محل نزاع ولا أقل من الاحتمال إن لم يكن رجوعه إلى المضاف راجحا والمحتمل لا يكون حجة على الخصم ، وأيضا لا يمتنع أن يقال رجسية الخنزير على تسليم شمولها لجميعه لحما وشعرا وجلدا وعظما مخصصة بأحاديث الدباغ انتهى ( وكره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لبس جلود السباع وشددوا في لبسها والصلاة فيها ) لحديث أبي المليح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن جلود السباع ، وزاد الترمذي في رواية : أن تفترش ، وسيأتي في باب ما جاء في النهي عن جلود السباع .

                                                                                                          قال الشوكاني : أما الاستدلال بأحاديث النهي عن جلود السباع على أن الدباغ لا يطهر جلود السباع ، بناء على أنها مخصصة للأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم فغير ظاهر ؛ لأن غاية ما فيها مجرد النهي عن الركوب عليها وافتراشها ولا ملازمة بين ذلك وبين النجاسة ، كما لا ملازمة بين النهي عن الذهب والحرير ونجاستهما فلا معارضة ، بل يحكم بالطهارة بالدباغ مع منع الركوب عليها ونحوه ، مع أنه يمكن أن يقال إن أحاديث النهي عن جلود السباع أعم من وجه من الأحاديث القاضية بأن الدباغ مطهر على العموم لشمولها لما كان مدبوغا من جلود السباع وما كان غير مدبوغ انتهى كلام الشوكاني . ( قال إسحاق بن إبراهيم : إنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : أيما [ ص: 328 ] إهاب دبغ فقد طهر ، إنما يعني به جلد ما يؤكل لحمه هكذا فسره النضر بن شميل ، وقال : إنما يقال إهاب لجلد ما يؤكل لحمه ) قال الشوكاني : هذا يخالف ما قال أبو داود في سننه ، قال النضر بن شميل : إنما يسمى إهابا ما لم يدبغ فإذا دبغ لا يقال له إهاب إنما يسمى شنا وقربة انتهى . فليس في رواية أبي داود تخصيصه بجلد المأكول ، ورواية أبي داود عنه أرجح لموافقتها ما ذكره أهل اللغة كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية وغيرها والمبحث لغوي فيرجح ما وافق اللغة ولم نجد في شيء من كتب أهل اللغة ما يدل على تخصيص الإهاب بإهاب مأكول اللحم كما رواه الترمذي عنه انتهى كلام الشوكاني ، قلت : الأمر كما قال الشوكاني ( وكره ابن المبارك وأحمد وإسحاق والحميدي الصلاة في جلود السباع ) أي ولو كانت مدبوغة لحديث المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها .




                                                                                                          الخدمات العلمية