الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2104 أخبرنا إسحق بن منصور أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن مسلم عن طاووس عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخال وارث من لا وارث له وهذا حديث حسن غريب وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عن عائشة واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال [ ص: 236 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 236 ] قوله : ( أخبرنا أبو عاصم ) اسمه الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من التاسعة ( عن ابن جريج ) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل ، وكان يدلس ويرسل من السادسة ( عن عمرو بن مسلم ) الجندي اليماني صدوق له أوهام من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( الخال وارث من لا وارث له ) فيه دليل لمن قال بتوريث ذوي الأرحام وهو القول الراجح ، وقد تعسف القاضي أبو بكر بن العربي في الجواب عن هذا الحديث فقال المراد بالخال السلطان .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه النسائي والدارقطني وأعله النسائي بالاضطراب ، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه .

                                                                                                          قوله : ( واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة ، وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام إلخ ) اعلم أن ذا الرحم هو كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة ، فأكثر الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عباس في رواية عنه مشهورة وغيرهم يرون توريث ذوي الأرحام ، وتابعهم في ذلك من التابعين : علقمة والنخعي وشريح والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد ، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله وزفر ومن تابعهم ، وقال زيد بن ثابت وابن عباس في رواية شاذة : لا ميراث لذوي الأرحام ، ويوضع المال عند عدم صاحب الفرض والعصبة في بيت المال ، وتابعهما في ذلك من التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ، وبه قال مالك والشافعي ، كذا في المرقاة ، وقال الشوكاني في النيل : احتج الأولون بأحاديث الباب وبعموم قوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ، وقوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون [ ص: 237 ] ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم ، والدليل على مدعي التخصيص ، وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا : عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ ، والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل ، وإلا استلزم إبطال الاستدلال بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر آخر فما هو ؟ وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ، ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الإفراد ومن جملة ما استدلوا به على إبطال ميراث ذوي الأرحام حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سألت الله عز وجل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما ، أخرجه أبو داود في المراسيل ، والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا ، وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ، ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة ، ولها طرق موصولة ذكرها الحافظ في التلخيص والشوكاني في النيل وكلها ضعيفة ، قال الشوكاني بعد ذكرها : وكل هذه الطرق لا تقوم بها حجة ، وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة فغايته أنه لا ميراث لهما ، وذلك لا يستلزم إبطال ميراث ذوي الأرحام انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية