الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2624 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أيوب ) هو ابن أبي تميمة السختياني .

                                                                                                          قوله : ( ثلاث ) مبتدأ والجملة الشرطية خبره وجاز مع أنه نكرة ؛ لأن التقدير خصال ثلاث ( وجد بهن ) أي بسبب وجودهن ( طعم الإيمان ) بفتح الطاء أي لذاته ، وفي رواية لمسلم : حلاوة الإيمان . قال العلماء معنى حلاوة الإيمان استلذاذه الطاعات وتحمله المشاق في رضا الله ورسوله ، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد لله سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته ، وكذا محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . قال القاضي عياض : هذا الحديث بمعنى حديث : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا إلخ ، وذلك أنه لا تصح محبة الله تعالى ورسوله حقيقة وحب الآدمي في الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وكراهته الرجوع في الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه ، واطمأنت به نفسه ، وانشرح له صدره ، وخالط لحمه ودمه ، وهذا هو الذي وجد حلاوته . قال : والحب في الله من ثمرات حب الله وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها . وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقا ، وقد يكون لإحسانه إليه ودفعه المضار والمكاره عنه ، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جمع من جمال الظاهر والباطن ، وكمال خلال الجلال وأنواع الفضائل ، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم ، ودوام النعيم ، والإبعاد من الجحيم . وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصور في حق الله تعالى ، فإن الخير كله منه سبحانه وتعالى قال مالك وغيره : المحبة في الله تعالى من واجبات الإسلام ( من كان ) لا بد من تقدير مضاف قبله لأنه إما بدل أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف هو هي أو هن أو إحداها أي محبة من كان ( الله ورسوله ) برفعهما ( أحب إليه ) بالنصب على أنه خبر كان ( مما سواهما ) يعم ذوي العقول وغيرهم من المال والجاه وسائر الشهوات ( وأن يحب المرء ) أي وثانيتها أن يحب المرء ، وفي رواية لمسلم : من كان يحب المرء ( لا يحبه إلا لله ) استثناء مفرغ أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري بل محبته تكون خالصة لله تعالى فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله . والجملة حال من الفاعل أو [ ص: 313 ] المفعول أو منهما ( وأن يكره ) أي ثالثتها أن يكره ( أن يعود في الكفر ) أي يرجع أو يتحول ، وقيل : أن يصير بدليل تعديته بفي على حد أو لتعودن في ملتنا فيشمل من لم يسبقه له كفر أيضا ولا ينافيه قوله : ( بعد إذ أنقذه منه ) أي أخلصه ونجاه من الكفر ؛ لأن أنقذ بمعنى حفظ بالعصمة ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر بهذا الوصف على الدوام أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، أو لا يشمله ولكنه مفهوم من طريق المساواة بل الأولى ، قاله القاري . وقال النووي : قوله يعود أو يرجع معناه يصير ، وقد جاء العود والرجوع بمعنى الصيرورة ، انتهى ( أن يقذف ) بصيغة المجهول أي يلقى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية