الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2639 حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ليث بن سعد حدثني عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن المعافري ثم الحبلي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن عامر بن يحيى بهذا الإسناد نحوه [ ص: 330 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 330 ] قوله : ( حدثني عامر بن يحيى ) المعافري أبو خنيس بمعجمة ونون مصغرا ثقة من السادسة .

                                                                                                          قوله : ( إن الله سيخلص ) بتشديد اللام أي يميز ويختار ( رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ) وفي رواية ابن ماجه : يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق ( فينشر ) بضم الشين المعجمة أي فيفتح ( تسعة وتسعين سجلا ) بكسرتين فتشديد أي كتابا كبيرا ( كل سجل مثل مد البصر ) أي كل كتاب منها طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه بصر الإنسان ( ثم يقول ) أي الله سبحانه وتعالى ( أتنكر من هذا ) أي المكتوب ( أظلمك كتبتي ) بفتحات جمع كاتب والمراد الكرام الكاتبون ( الحافظون ) أي لأعمال بني آدم ( فيقول أفلك عذر ) أي فيما فعلته من كونه سهوا أو خطأ أو جهلا ونحو ذلك ( فيقول بلى ) أي لك عندنا ما يقوم مقام عذرك ( إن لك عندنا حسنة ) أي واحدة عظيمة مقبولة . وفي رواية ابن ماجه : ثم يقول : ألك عن ذلك حسنة فيهاب الرجل فيقول لا . فيقول بلى إن لك عندنا حسنات ( فيخرج ) بصيغة المجهول المذكر ، وفي رواية ابن ماجه فتخرج له ( بطاقة ) قال في النهاية : البطاقة رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما تجعل فيه إن كان عينا فوزنه أو عدده ، وإن كان متاعا فثمنه ، قيل : سميت بذلك لأنها تشد بطاقة من الثوب فتكون الباء حينئذ زائدة وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر .

                                                                                                          وقال في القاموس : البطاقة ككتابة الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه سميت لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب ( فيها ) أي مكتوب في البطاقة ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) قال القاري : يحتمل أن الكلمة هي أول ما نطق بها . ويحتمل [ ص: 331 ] أن تكون غير تلك المرة مما وقعت مقبولة عند الحضرة وهو الأظهر في مادة الخصوص من عموم الأمة ( احضر وزنك ) أي الوزن الذي لك أو وزن عملك ، أو وقت وزنك أو آلة وزنك ، وهو الميزان ليظهر لك انتفاء الظلم وظهور العدل وتحقق الفضل ( فيقول يا رب ما هذه البطاقة ) أي الواحدة ( مع هذه السجلات ) أي الكثيرة وما قدرها بجنبها ومقابلتها ( فقال فإنك لا تظلم ) أي لا يقع عليك الظلم لكن لا بد من اعتبار الوزن كي يظهر أن لا ظلم عليك فاحضر الوزن . قيل وجه مطابقة هذا جوابا لقوله ما هذه البطاقة ؟ أن اسم الإشارة للتحقير كأنه أنكر أن يكون مع هذه البطاقة المحقرة موازنة لتلك السجلات ، فرد بقوله إنك لا تظلم بحقيرة ، أي لا تحقر هذه فإنها عظيمة عنده سبحانه إذ لا يثقل مع اسم الله شيء ولو ثقل عليه شيء لظلمت ( قال فتوضع السجلات في كفة ) بكسر فتشديد أي فردة من زوجي الميزان ، ففي القاموس الكفة بالكسر من الميزان معروف ويفتح ( والبطاقة ) أي وتوضع ( في كفة ) أي في أخرى ( فطاشت السجلات ) أي خفت ( وثقلت البطاقة ) أي رجحت والتعبير بالمضي لتحقق وقوعه ( ولا يثقل ) أي ولا يرجح ولا يغلب ( مع اسم الله شيء ) والمعنى لا يقاومه شيء من المعاصي بل يترجح ذكر الله تعالى على جميع المعاصي .

                                                                                                          فإن قيل : الأعمال أعراض لا يمكن وزنها وإنما توزن الأجسام ، أجيب بأنه يوزن السجل الذي كتب فيه الأعمال ويختلف باختلاف الأحوال أو أن الله يجسم الأفعال والأقوال فتوزن فتثقل الطاعات وتطيش السيئات لثقل العبادة على النفس وخفة المعصية عليها ولذا ورد : حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب .




                                                                                                          الخدمات العلمية