الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2682 حدثنا محمود بن خداش البغدادي حدثنا محمد بن يزيد الواسطي حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة عن قيس بن كثير قال قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي فقال حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما جئت لحاجة قال لا قال أما قدمت لتجارة قال لا قال ما جئت إلا في طلب هذا الحديث قال فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر قال أبو عيسى ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح من حديث محمود بن خداش ورأي محمد بن إسمعيل هذا أصح [ ص: 375 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 375 ] قوله : ( أخبرنا عاصم بن رجاء بن حيوة ) الكندي الفلسطيني صدوق يهم ، من الثامنة ( عن قيس بن كثير ) قال الحافظ في التقريب : كثير بن قيس الشامي ويقال قيس بن كثير والأول أكثر ، ضعيف من الثالثة . وقال في تهذيب التهذيب : كثير بن قيس ويقال قيس بن كثير شامي ، روى عن أبي الدرداء في فضل العلم وعنه داود بن جميل جاء في أكثر الروايات أنه كثير بن قيس على اختلاف في الإسناد إليه ، وتفرد محمد بن يزيد الواسطي في إحدى الروايتين عنه بتسمية قيس بن كثير وهو وهم قوله : ( من المدينة ) المنورة ( وهو ) أي أبو الدرداء ( بدمشق ) بكسر الدال وفتح الميم ويكسر ( ما أقدمك ) ما استفهامية أي أي شيء جاء بك هنا ( حديث ) أي أقدمني حديث يعني جئتك لتحدثني به ( أما جئت ) بهمزة الاستفهام وما نافية ( من سلك ) أي دخل أو مشى ( طريقا ) أي قريبا أو بعيدا ( يبتغي فيه ) أي في ذلك الطريق أو في ذلك المسلك أو في سلوكه ، ( علما ) قال الطيبي : وإنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان من مفارقة الأوطان والضرب في البلدان إلى غير ذلك ، وأي علم كان من علوم الدين قليلا أو كثيرا رفيعا أو غير رفيع ( سلك الله به ) الضمير عائد إلى " من " والباء للتعدية أي جعله سالكا ووفقه أن يسلك طريق الجنة ، وقيل : عائد إلى العلم والباء للسببية وسلك بمعنى سهل ، والعائد إلى " من " محذوف ، والمعنى سهل الله له بسبب العلم ( طريقا إلى الجنة ) فعلى الأول سلك من السلوك وعلى الثاني من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى : يسلكه عذابا صعدا قيل : عذابا مفعول ثان .

                                                                                                          وعلى التقديرين نسبة سلك إلى الله تعالى على طريق المشاكلة كذا قال الطيبي : ( لتضع أجنحتها أي الملائكة لطالب العلم ) جمع جناح ( رضى ) حال أو مفعول له على معنى إرادة رضا ليكون فعلا لفاعل الفعل المعلل به ( لطالب العلم ) اللام متعلق برضا ، وقيل : التقدير لأجل الرضا الواصل منها إليه أو لأجل إرضائها لطالب العلم بما يصنع من حيازة الوراثة العظمى ، وسلوك السنن الأسنى . قال زين العرب وغيره ، قيل : معناه أنها تتواضع لطالبه توقيرا لعلمه كقوله تعالى : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [ ص: 376 ] أي تواضع لهما أو المراد الكف عن الطيران والنزول للذكر ، كقوله في حديث أبي هريرة : وحفت بهم الملائكة ، أو معناه المعونة وتيسير المئونة بالسعي في طلبه ، أو المراد تليين الجانب والانقياد والفيء عليه بالرحمة والانعطاف ، أو المراد حقيقته وإن لم تشاهد وهي فرش الجناح وبسطها لطالب العلم لتحمله عليها ، وتبلغه مقعده من البلاد ، نقله السيد جمال الدين ونقل ابن القيم عن أحمد بن شعيب . قال : كنا عند بعض المحدثين بالبصرة فحدثنا بهذا الحديث وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزئ بالحديث ، فقال : والله لأطرقن غدا نعلي وأطأ بها أجنحة الملائكة ، ففعل ومشى في النعلين فحفت رجلاه ووقعت فيهما الأكلة . وقال الطبراني : سمعت ابن يحيى الساجي يقول : كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي ، وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه ، فقال : ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ بالحديث ، فما زال عن موضعه حتى حفت رجلاه وسقط إلى الأرض ، انتهى .

                                                                                                          والحفاء رقة القدم على ما في القاموس ، وفي رواية في السنن والمسانيد عن صفوان بن عسال قال : قلت يا رسول الله جئت أطلب العلم . قال : مرحبا بطالب العلم إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظله بأجنحتها ، فيركب بعضها على بعض حتى تبلغ السماء الدنيا من حبهم لما يطلب . نقله الشيخ ابن القيم وقال الحاكم : إسناده صحيح كذا في المرقاة ( وإن العالم ليستغفر له ) قال الطيبي هو مجاز من إرادة استقامة حال المستغفر له ، انتهى . قال القاري والحقيقة أولى ( حتى الحيتان ) جمع الحوت خص لدفع إيهام أن من في الأرض لا يشمل من في البحر كذا قيل ( وفضل العالم ) أي الغالب عليه العلم وهو الذي يقوم بنشر العلم بعد أدائه ما توجه إليه من الفرائض والسنن المؤكدة ( على العابد ) أي الغالب عليه العبادة وهو الذي يصرف أوقاته بالنوافل مع كونه عالما بما تصح به العبادة ( كفضل القمر ) أي ليلة البدر كما في رواية ( على سائر الكواكب ) قال القاضي : شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب ؛ لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد ونور العالم يتعدى إلى غيره ( إن العلماء ورثة الأنبياء ) وإنما لم يقل ورثة الرسل ليشمل الكل . قاله ابن الملك ( لم يورثوا ) بالتشديد من التوريث ( دينارا ولا درهما ) أي شيئا من الدنيا ، وخصا ؛ لأنهما أغلب أنواعها وذلك إشارة إلى زوال الدنيا ، وأنهم لم يأخذوا منها إلا بقدر ضرورتهم ، فلم يورثوا شيئا منها لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئا منها يورث عنهم ( فمن أخذ به ) أي [ ص: 377 ] بالعلم ( فقد أخذ بحظ وافر ) أي أخذ حظا وافرا يعني نصيبا تاما ، أي لا حظ أوفر منه والباء زائدة للتأكيد ، أو المراد أخذه متلبسا بحظ وافر من ميراث النبوة ، ويجوز أن يكون أخذ بمعنى الأمر أي فمن أراد أخذه ، فليأخذ بحظ وافر ولا يقتنع بقليل . ( هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث ) يعني عن عاصم بن رجاء عن قيس بن كثير من غير واسطة بينهما ( وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس ) يعني بزيادة داود بن جميل بين عاصم بن رجاء وكثير بن قيس ، وكذلك رواه أبو داود وابن ماجه . وداود بن جميل هذا ضعيف ويقال اسمه : الوليد كذا في التقريب ، قال في تهذيب التهذيب : روى عن كثير بن قيس على خلاف فيه ، وعنه عاصم بن رجاء بن حيوة ذكره ابن حبان في الثقات وفي إسناد حديثه اختلاف ، وقال الدارقطني : مجهول وقال مرة : هو ومن فوقه إلى أبي الدرداء ضعفاء ( وهذا أصح من حديث محمود بن خداش ) أي هذا الحديث الذي يروى عن عاصم عن داود بن جميل عن كثير بن قيس أصح من حديث محمود بن خداش المذكور في هذا الباب بإسقاط داود بن جميل ، وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي ، وقال المنذري في تلخيص السنن : قد اختلف في هذا الحديث اختلافا كثيرا ثم ذكره مفصلا من شاء الوقوف على ذلك فليراجعه .




                                                                                                          الخدمات العلمية