الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2954 أخبرنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرحمن بن سعد أنبأنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي بن حاتم قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال القوم هذا عدي بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب فلما دفعت إليه أخذ بيدي وقد كان قال قبل ذلك إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي قال فقام فلقيته امرأة وصبي معها فقالا إن لنا إليك حاجة فقام معهما حتى قضى حاجتهما ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها وجلست بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله فهل تعلم من إله سوى الله قال قلت لا قال ثم تكلم ساعة ثم قال إنما تفر أن تقول الله أكبر وتعلم أن شيئا أكبر من الله قال قلت لا قال فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال قال قلت فإني جئت مسلما قال فرأيت وجهه تبسط فرحا قال ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النهار قال فبينما أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار قال فصلى وقام فحث عليهم ثم قال ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم ألم أجعل لك سمعا وبصرا فيقول بلى فيقول ألم أجعل لك مالا وولدا فيقول بلى فيقول أين ما قدمت لنفسك فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة فإني لا أخاف عليكم الفاقة فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أو أكثر ما تخاف على مطيتها السرق قال فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص طييء قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال فذكر الحديث بطوله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عبد الرحمن بن سعد ) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي ( عن عباد ) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ( بن حبيش ) بمهملة وموحدة ومعجمة مصغرا الكوفي مقبول من الثالثة ( عن عدي بن حاتم ) بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح [ ص: 231 ] المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الطائي صحابي شهير وكان ممن ثبت على الإسلام في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي .

                                                                                                          قوله : ( فلما دفعت ) بصيغة المجهول أي أحضرت وأتى القوم بي ( إليه ) أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( وقد كان قال ) أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( فألقت له الوليدة ) أي الجارية ( ما يفرك ) بضم الياء وكسر الفاء يقال أفررته أفره أي فعلت به ما يفر منه ويهرب أي ما يحملك على الفرار وكثير من المحدثين يقولون بفتح الياء وضم الفاء والصحيح الأول . قاله الجزري ( إنما تفر ) من الفرار أي تهرب ( وتعلم ) أي هل تعلم ( فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال ) بضم الضاد جمع ضال وفيه أن المراد بقوله تعالى المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى . قال الحافظ في الفتح روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال المغضوب عليهم اليهود ولا الضالين النصارى ، هكذا أورده مختصرا وهو عند الترمذي في حديث وأخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحوه ، وقال ابن أبي حاتم : لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا . قال السهيلي : وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود : فباءوا بغضب على غضب وفي النصارى : قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا ( فإني حنيف مسلم ) أي مائل عن كل الأديان إلى الإسلام ( تبسط ) بصيغة الماضي المعلوم من التبسط ، أي انبسط ( فرحا ) بفتح الفاء والراء ، أي سرورا منصوب على التمييز ( فأنزلت ) بصيغة المجهول من الإنزال ( جعلت أغشاه ) أي آتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غشيه يغشاه إذا جاءه ( عنده ) أي عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( من هذه النمار ) بكسر النون ، جمع نمرة بالفتح ، وهي كل شملة مخططة من مآزر [ ص: 232 ] الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض ، وهي من الصفات الغالبة ، أي جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف ( فحث عليهم ) أي فحث الناس على أن يتصدقوا عليهم بما تيسر لهم ( ولو صاع ) أي ولو تيسر لهم صاع ( ولو بنصف صاع ) أي ولو كان تصدقهم بنصف صاع ( ولو قبضة ) القبضة من الشيء ملء الكف منه ، وهي بضم القاف وربما يفتح ( وقائل له ) أي وهو قائل له وضمير " قائل " لله وضمير " له " لأحدكم والجملة حالية ( ما أقول لكم ) هو مفعول لقوله قائل ( ألم أجعل لك ) بدل من قوله ما أقول لكم ( وبعده ) أي خلفه ( حتى تسير الظعينة ) بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة ، المرأة في الهودج ، وهو في الأصل اسم للهودج ( يثرب ) أي المدينة المنورة ( والحيرة ) بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء ، كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس ، وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر ( أكثر ما يخاف على مطيتها السرق ) كذا في النسخة الأحمدية وقد سقط منها لفظة " أو " قبل أكثر ، تدل على ذلك رواية أحمد ، ففيها : ( حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب أو أكثر ، ما تخاف السرق على ظعينتها ) وكلمة " ما " في قوله " ما يخاف " نافية و " يخاف " على بناء المجهول و " السرق " بالرفع على أنه نائب الفاعل وهو بفتحتين بمعنى السرقة . والمعنى : حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أو في أكثر من ذلك لا يخاف على راحلتها السرق ( فأين لصوص طيئ ) اللصوص جمع لص بكسر اللام ويفتح ويضم وهو السارق والمراد قطاع الطريق ، وطيئ قبيلة مشهورة منها عدي بن حاتم المذكور ، وبلادهم ما بين العراق والحجاز ، وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جوار ; ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة .

                                                                                                          [ ص: 233 ] قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرج نحوه أحمد في مسنده . قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها .




                                                                                                          الخدمات العلمية