الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2968 حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحق عن البراء قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عينه وجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح [ ص: 245 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 245 ] قوله : ( أخبرنا عبيد الله بن موسى ) العبسي الكوفي ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي .

                                                                                                          قوله : ( كان أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) أي في أول افتراض الصيام ( فنام قبل أن يفطر إلخ ) قال الحافظ في رواية زهير : كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق : كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا . فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها . فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره ، وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة أخرجه أبو داود بلفظ : كان الناس على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة ، وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث . انتهى .

                                                                                                          قلت . ومراد الحافظ بقوله وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر يعني أن بينهما عموما وخصوصا من وجه ( وإن قيس بن صرمة ) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء ، قال في الإصابة : ووقع عند أبي داود من هذا الوجه صرمة بن قيس ، وفي رواية النسائي أبو قيس بن عمرو فإن حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد فإنه قيل فيه صرمة بن قيس وصرمة بن مالك وصرمة بن أنس وصرمة بن أبي أنس وقيل فيه قيس بن صرمة وأبو قيس بن صرمة وأبو قيس بن عمرو فيمكن أن يقال إن كان اسمه صرمة بن قيس فمن قال قيس بن صرمة قلبه وإنما اسمه صرمة وكنيته أبو قيس أو العكس ، وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس ومن قال فيه أنس حذف أداة الكنية ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جد له ، والعلم عند الله تعالى قاله القسطلاني ( هل عندك ) بكسر الكاف ( طعام فقالت لا ولكن أنطلق أطلب لك ) ظاهره أنه لم يجئ معه بشيء لكن في مرسل السدي : [ ص: 246 ] أنه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحينا واجعليه سخينا فإن التمر أحرق جوفي . وفيه : لعلي آكله سخنا . وأنها استبدلته له وصنعته ( وكان يومه ) بالنصب ( يعمل ) أي في أرضه وصرح بها أبو داود في روايته وفي مرسل السدي : كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة . فعلى هذا فقوله في أرضه إضافة اختصاص ( فغلبته عينه ) أي نام ( قالت خيبة لك ) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز ، والخيبة : الحرمان ، يقال خاب يخيب : إذا لم ينل ما طلب ( فذكر ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ : وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنزلت هذه الآية أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ففرحوا بها فرحا شديدا وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى ، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة ، هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس . قال ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك وكلوا واشربوا ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا ، ثم قال أو المراد من الآية هي بتمامها . قال الحافظ : وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلي وقال إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله قال الحافظ : قد وقع في رواية أبي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فهذا يبين أن محل قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود وقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه فنزلت أحل لكم إلى قوله من الفجر ففرح المسلمون بذلك .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية