الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2991 حدثنا عبد بن حميد حدثنا الحسن بن موسى وروح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية أنها سألت عائشة عن قول الله تعالى إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وعن قوله من يعمل سوءا يجز به فقالت ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه معاتبة الله العبد فيما يصيبه من الحمى والنكبة حتى البضاعة يضعها في كم قميصه فيفقدها فيفزع لها حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن علي بن زيد ) هو ابن جدعان ( عن أمية ) بالتصغير ويقال لها أمينة من الثالثة .

                                                                                                          قال في تهذيب التهذيب أمية بنت عبد الله عن عائشة وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان ، وقيل عن علي عن أم محمد وهي امرأة أبيه واسمها أمينة ووقع في بعض النسخ من الترمذي عن علي بن زيد بن جدعان عن أمه وهو غلط ، فقد روى علي بن زيد عن امرأة أبيه أم محمد عدة أحاديث . انتهى . قلت : ذكر الذهبي في الميزان أمية هذه في فصل المجهولات .

                                                                                                          قوله : إن تبدوا أي إن تظهروا ما في أنفسكم أي في قلوبكم من السوء بالقول أو الفعل أو تخفوه أي تضمروه مع الإصرار عليه إذ لا عبرة بخطور الخواطر يحاسبكم به الله أي يجازيكم بسركم وعلنكم أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم وعن قوله : من يعمل أي ظاهرا وباطنا سوءا [ ص: 269 ] أي صغيرا أو كبيرا يجز به أي في الدنيا أو العقبى إلا ما شاء ممن شاء ( فقالت ) أي عائشة ( ما سألني عنها ) أي عن هذه المسألة ( منذ سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) أي عنها ( فقال هذه ) إشارة إلى مفهوم الآيتين المسئول عنهما أي محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال ( معاتبة الله العبد ) أي مؤاخذته العبد بما اقترف من الذنب ( بما يصيبه ) أي في الدنيا وهو صلة معاتبة ويصح كون الباء سببية ( من الحمى ) وغيرها مؤاخذة المعاتب وإنما خصت الحمى بالذكر لأنها من أشد الأمراض وأخطرها . قال في المفاتيح : العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته يعني ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة بل معناها أنه يلحقهم بالجوع والعطش والمرض والحزن وغير ذلك من المكاره حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب . قال الطيبي : كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا عناية ورحمة . انتهى ( والنكبة ) بفتح النون أي المحنة وما يصيب الإنسان من حوادث الدهر ( حتى البضاعة ) بالجر عطف على ما قبلها وبالرفع على الابتداء وهي بالكسر طائفة من مال الرجل ( يضعها في يد قميصه ) أي كمه سمي باسم ما يحمل فيه ووقع في بعض النسخ " في كم قميصه " ( فيفقدها ) أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها لسقوطها أو أخذ سارق لها منه ( فيفزع لها ) أي يحزن لضياع البضاعة فيكون كفارة ، كذا قاله ابن الملك . وقال الطيبي : يعني إذا وضع بضاعة في كمه ووهم أنها غابت فطلبها وفزع كفرت عنه ذنوبه وفيه من المبالغة ما لا يخفي ( حتى ) أي لا يزال يكرر عليه تلك الأحوال حتى ( إن العبد ) قال القاري : بكسر الهمزة وفي نسخة يعني من المشكاة بالفتح وأظهر العبد موضع ضميره إظهارا لكمال العبودية المقتضي للصبر والرضا بأحكام الربوبية ( ليخرج من ذنوبه ) بسبب الابتلاء بالبلاء ( كما يخرج التبر الأحمر ) التبر بالكسر أي الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنانير فإذا ضربا كانا عينا ( من الكير ) بكسر الكاف متعلق ب " يخرج " . قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم .




                                                                                                          الخدمات العلمية