الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3014 حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا الحجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن مروان بن الحكم قال اذهب يا رافع لبوابه إلى ابن عباس فقل له لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون قال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه وتلا لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا قال ابن عباس سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ما سألهم عنه قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا حجاج بن محمد ) هو المصيصي الأعور ( أن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ) الزهري المدني ثقة من الثانية وقيل إن روايته عن عمر مرسلة ( أن مروان بن الحكم قال اذهب يا رافع لبوابه ) وفي رواية البخاري أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع . قال الحافظ : وكان مروان يومئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية ثم ولي الخلافة ، قال ورافع هذا لم أر له ذكرا في كتاب الرواة إلا بما جاء في هذا الحديث ، والذي يظهر من سياق الحديث أنه توجه إلى ابن عباس فبلغه الرسالة ورجع إلى مروان بالجواب فلولا أنه معتمد عند مروان ما قنع برسالته ( وأحب أن يحمد ) بضم التحتية على صيغة المجهول ( معذبا ) خبر كان ( لنعذبن ) بصيغة المجهول وهو جواب قوله لئن أي لأن كلنا يفرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل ( أجمعون ) بالواو على أنه تأكيد للضمير الذي في لنعذبن ، ووقع في رواية " أجمعين " بالياء على أنه منصوب على الحال أي لنعذبن مجتمعين ( فقال ابن [ ص: 291 ] عباس ما لكم ولهذه الآية ) إنكار من ابن عباس عن السؤال بهذه المسألة على الوجه المذكور ( ثم تلا ابن عباس : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب أي العهد عليهم في التوراة لتبيننه أي الكتاب للناس ولا تكتمونه فنبذوه أي طرحوا الميثاق وراء ظهورهم فلم يعملوا به واشتروا به أخذوا بدله ثمنا قليلا من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم فبئس ما يشترون شراءهم هذا . وفي تلاوة ابن عباس هذه الآية إشارة إلى أن الذين أخبر الله عنهم في الآية المسئول عنها هم المذكورون في الآية التي قبلها وأن الله ذمهم بكتمان العلم الذي أمرهم أن لا يكتموه وتوعدهم بالعذاب على ذلك بما أتوا بفتح الهمزة والفوقية أي بما جاءوا يعني بالذي فعلوه ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أي ويحبون أن يحمدهم الناس على شيء لم يفعلوه ( سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره ) قال الحافظ : الشيء الذي سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه اليهود لم أره مفسرا ، وقد قيل إنه سألهم عن صفته عندهم بأمر واضح فأخبروا عنه بأمر مجمل . وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن جبير في قوله " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " قال محمد وفي قوله يفرحون بما أتوا قال بكتمانهم محمدا ، وفي قوله : أن يحمدوا بما لم يفعلوا . قال : قولهم نحن على دين إبراهيم ( وقد أروه ) بفتح الهمزة والراء من الإراءة والضمير المنصوب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( واستحمدوا ) بفتح الفوقية مبنيا للفاعل أي طلبوا أن يحمدهم قال في الأساس : استحمد الله إلى خلقه بإحسانه إليهم وإنعامه عليهم قاله القسطلاني . وقال العيني : واستحمد على صيغة المجهول من استحمد فلان عند فلان أي صار محمودا عنده والسين فيه للصيرورة . انتهى ( بما أوتوا من كتابهم ) بصيغة المجهول من الإيتاء أي أعطوا ، وفي رواية أحمد بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه ، وفي رواية البخاري بما أتوا من كتمانهم . قال الحافظ قوله بما أتوا كذا للأكثر بالقصر بمعنى جاءوا أي بالذي فعلوه ، وللحموي بما أوتوا بضم الهمزة بعدها واو أي أعطوا أي من العلم الذي كتموه كما قال تعالى : فرحوا بما عندهم من العلم والأول أولى لموافقته التلاوة المشهورة . انتهى ( وما سألهم عنه ) عطف على ما أوتوا والضمير المرفوع في سأل يرجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والضمير المجرور في قوله عنه إلى ما .

                                                                                                          [ ص: 292 ] تنبيه : قد ورد في سبب نزول هذه الآية حديثان صحيحان : أحدهما حديث ابن عباس هذا ، والثاني ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون الآية . قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معا ، وبهذا أجاب القرطبي وغيره .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب صحيح ) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية