الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3237 حدثنا عبد بن حميد حدثنا حبان بن هلال وسليمان بن حرب وحجاج بن منهال قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن حوشب قال وشهر بن حوشب يروي عن أم سلمة الأنصارية وأم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن ثابت ) هو ابن أسلم البناني يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أي أفرطوا عليها وتجاوزوا الحد في كل فعل مذموم لا تقنطوا بفتح النون وبكسرها أي لا تيأسوا من رحمة الله أي من مغفرته إن الله يغفر الذنوب جميعا قال الحافظ ابن كثير : هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها . وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ، ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه . ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ونزل قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ثم قال بعد ذكر أحاديث أخرى ما لفظه : فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة . ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع انتهى . وقال صاحب فتح البيان نقلا عن القاضي الشوكاني : والحق أن الآية غير مقيدة بالتوبة بل هي على إطلاقها قال : والجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء هو أن كل ذنب كائنا ما كان ماعدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له ، على أنه يمكن أن يقال : إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا ، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية انتهى . قلت : كل محتمل وما قال ابن كثير هو الظاهر عندي والله تعالى أعلم ( ولا يبالي ) أي من أحد فإنه لا يجب على الله ، وفي رواية أحمد : سمعته صلى الله عليه وسلم يقول : " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم " . والظاهر من هاتين الروايتين أن قوله " ولا يبالي " كان من القرآن ، ولذا قال صاحب المدارك تحت هذه الآية : وفي قراءة النبي عليه السلام : يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي ، وقال القاري : وهو يحتمل أنه كان من الآية فنسخ ويحتمل أن يكون زيادة من عنده عليه الصلاة والسلام كالتفسير للآية . .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث [ ص: 81 ] حسن غريب ) وأخرجه أحمد وابن المنذر والحاكم ( لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن حوشب ) وشهر هذا صدوق كثير الإرسال والأوهام .




                                                                                                          الخدمات العلمية