الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3245 حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال يهودي بسوق المدينة لا والذي اصطفى موسى على البشر قال فرفع رجل من الأنصار يده فصك بها وجهه قال تقول هذا وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا محمد بن عمرو ) بن علقمة بن وقاص الليثي ( أخبرنا أبو سلمة ) هو ابن عبد الرحمن . قوله : ( قال يهودي في سوق المدينة : لا والذي اصطفى موسى على [ ص: 84 ] البشر ) وفي رواية للبخاري وكذا لمسلم : بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئا كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر ، وفي رواية لهما استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى محمدا على العالمين لقسم يقسم به ، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ( فصك بها وجهه ) أي لطم وجه اليهودي قال الحافظ : وإنما صنع ذلك لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد تقرر عند المسلم أن محمدا أفضل فلطم اليهودي عقوبة له على كذبه ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية البخاري ومسلم : فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال يا أبا القاسم ، إن لي ذمة وعهدا فما بال فلان لطم وجهي ؟ فقال " لم لطمت وجهه " . وفي رواية إبراهيم بن سعد : فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره ونفخ في الصور أي النفخة الأولى فصعق أي مات ثم نفخ فيه أي في الصور أخرى أي مرة أخرى وهي النفخة الثانية فإذا هم أي جميع الخلائق الموتى قيام أي من قبورهم ينظرون أي ينتظرون ما يفعل بهم ( فأكون أول من رفع رأسه ) وفي رواية الشيخين " فأكون أول من يفيق " ، وفي لفظ : أول من تنشق عنه الأرض ( فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله ) وفي رواية الشيخين : فلا أدري وكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله . قال الحافظ : أي فلم يكن ممن صعق ، أي فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضا .

                                                                                                          ووقع في حديث أبي سعيد : " فلا أدري كان فيمن صعق أي فأفاق قبلي أم حوسب بصعقته الأولى التي صعقها لما سأل الرؤية ، وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ : " أحوسب بصعقته يوم الطور ، والجمع بينه وبين قوله : أو كان ممن استثنى الله ، أن في رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى ، والمراد بقوله : ( ممن استثنى الله قوله إلا من شاء الله ) انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قال النووي في شرح مسلم : قال القاضي هذا من أشكل الأحاديث لأن موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الأحياء ، وقوله : ممن استثنى الله تعالى ، يدل على أنه كان حيا ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة ولا أنه حي كما جاء في عيسى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق " . قال القاضي فيحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق [ ص: 85 ] السماوات والأرض فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : فأفاق لأنه إنما أفاق من الغشي ، وأما الموت فيقال بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتا وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " فلا أدري أفاق قبلي " فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص تنشق عنه الأرض على الإطلاق . قال : ويجوز أن يكون معناه أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم انتهى .

                                                                                                          قلت : هاهنا أبحاث وأنظار ذكرها الحافظ وغيره من شراح البخاري ومسلم " ومن قال أنا خير من يونس بن متى " بفتح الميم وتشديد المثناة مقصورا ، ووقع في تفسير عبد الرزاق أن متى اسم أمه وهو مردود بحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه ، فقوله ونسبه إلى أبيه صريح في أن متى أبوه لا أمه " فقد كذب " لأن الأنبياء كلهم متساوون في مرتبة النبوة وإنما التفاضل باعتبار الدرجات ، فلفظ أنا واقع موقع هو ويكون راجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون المراد به نفس القائل فحينئذ كذب بمعنى كفر كنى به عن الكفر لأن هذا الكذب مساو للكفر . كذا في المرقاة . وقال النووي : الضمير في " أنا " قيل يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل يعود إلى القائل أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل . فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة النبوة ، ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله وهي قوله صلى الله عليه وسلم : " لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " انتهى . قلت : ضمير " أنا " إذا عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل الخلق ، وأما قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تواضعا إن كان قاله بعد أن أعلم أنه أفضل الخلق ففيه أنه لا يناسبه قوله " فقد كذب " كما في رواية الترمذي هذه . قيل خص يونس بالذكر لأن الله تعالى وصفه بأوصاف توهم انحطاط رتبته حيث قال فظن أن لن نقدر عليه إذ أبق إلى الفلك المشحون . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية