ذكر عبد الملك لولده الوليد ، ثم من بعده لأخيه سليمان بن عبد الملك
وكان ذلك في هذه السنة بعد موت بيعة عبد العزيز بن مروان ، بويع له بدمشق ، ثم في سائر الأقاليم ، ثم لسليمان من بعده ، ثم لما انتهت البيعة إلى المدينة امتنع أن يبايع في حياة سعيد بن المسيب عبد الملك لأحد ، فأمر به هشام بن إسماعيل نائب المدينة ، فضرب ستين سوطا ، وألبسه ثيابا من شعر ، وأركبه جملا ، وطاف به في المدينة ، ثم أمر به ، فذهبوا به إلى ثنية ذباب - وهي الثنية التي كانوا يصلبون عندها ، ويقتلون - فلما وصلوا إليها ردوه إلى المدينة فأودعوه السجن ، فقال لهم : والله لو أعلم أنكم لا تقتلونني لم ألبس هذا التبان .
[ ص: 371 ] ثم كتب هشام بن إسماعيل المخزومي إلى عبد الملك يعلمه بمخالفة سعيد في ذلك ، فكتب إليه يعنفه في ذلك ، ويأمره بإخراجه ، ويقول له : إن سعيدا كان أحق منك بصلة الرحم مما فعلت به ، وإنا لنعلم أن سعيدا ليس عنده شقاق ولا خلاف .
ويروى أنه قال له : ما ينبغي إلا أن يبايع ، فإن لم يبايع ضربت عنقه ، أو خليت سبيله .
وذكر الواقدي أن سعيدا رحمه الله لما جاءت بيعة عبد الله بن الزبير إلى المدينة امتنع من البيعة ، فضربه نائبها في ذلك الوقت - وهو جابر بن الأسود بن عوف - ستين سوطا أيضا ، وسجنه ، فالله أعلم .
قال أبو مخنف ، وأبو معشر ، : وحج بالناس في هذه السنة والواقدي هشام بن إسماعيل المخزومي نائب المدينة ، وكان على العراق والمشرق بكماله الحجاج .
قال شيخنا الحافظ الذهبي : وتوفي في هذه السنة
أبان بن عثمان بن عفان
[ ص: 372 ] أمير المدينة ، كان من فقهاء المدينة العشرة . قاله وقال يحيى بن القطان ، محمد بن سعد : كان ثقة ، وكان به صمم ، ووضح كثير ، وأصابه الفالج قبل أن يموت .
وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعمرو بن حريث
وعمرو بن سلمة
وواثلة بن الأسقع
قال الواقدي ، كان يسكن الصفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . قال ويحيى بن معين : الواقدي : أسلم واثلة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك في آخر الأمر .
قال واثلة : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أنتم بعدي إذا شبعتم من [ ص: 373 ] خبز البر والزيت ، فأكلتم ألوان الطعام ، ولبستم أنواع الثياب ، فأنتم اليوم خير أم ذلك اليوم ؟ قال : قلنا : ذلك اليوم . قال : . بل أنتم اليوم خير
قال واثلة : فما ذهبت عنا الأيام حتى أكلنا ألوان الطعام ، ولبسنا أنواع الثياب ، وركبنا المراكب .
شهد واثلة تبوك ، ثم شهد فتح دمشق ونزلها ، ومسجده بها عند حبس باب الصغير من القبلة . وهو آخر من توفي بدمشق من الصحابة ، قاله . وقد قال سعيد بن بشير وغيره : إنه توفي سنة ثلاث وثمانين . والله أعلم . البخاري
خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية
كان أعلم قريش بفنون العلم ، وله يد طولى في الطب ، وكلام كثير في الكيمياء وكان قد استفاد ذلك من راهب اسمه مريانس ، وكان خالد فصيحا بليغا شاعرا مطبقا كأبيه ، دخل يوما على بحضرة عبد الملك بن مروان فشكا إليه أن ابنه الحكم بن أبي العاص ، الوليد يحتقر أخاه عبد الله بن يزيد ، فقال عبد الملك : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( النمل : 34 ) فقال له خالد : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ( الإسراء : 16 ) . فقال عبد الملك : والله لقد [ ص: 374 ] دخل علي أخوك عبد الله ، فإذا هو لا يقيم اللحن . فقال خالد : والوليد لا يقيم اللحن . فقال عبد الملك : إن أخاه سليمان لا يلحن . فقال خالد : وأنا أخو عبد الله لا ألحن . فقال الوليد - وكان حاضرا - لخالد بن يزيد : اسكت ، فوالله ما تعد في العير ولا في النفير . فقال خالد : اسمع يا أمير المؤمنين . ثم أقبل خالد على الوليد فقال : ويحك ، وما هو العير والنفير غير جدي أبي سفيان صاحب العير ، وجدي عتبة بن ربيعة صاحب النفير ، ولكن لو قلت : غنيمات وحبيلات والطائف ، ورحم الله عثمان . لقلنا : صدقت . - يعني أن الحكم كان منفيا بالطائف يرعى غنما ، ويأوي إلى حبلة الكرم ، حتى آواه عثمان بن عفان حين ولي ، فسكت الوليد وأبوه ، ولم يحيرا جوابا . والله سبحانه وتعالى أعلم .